يعتبر أمبيديكار أول وزير عدلٍ للهند بعد استقلالها عن التاج البريطاني عام 1947 و رئيسٍ للجنة صياغة الدستور.فقد كان أمبيدكار (1891-1956) ينتمي إلى فئة “المنبوذين” أو Untouchables و هي أحط الفئات منزلةً على السلم الاجتماعي للديانة الهندوسية التي تأخذ بنظام الطوائف caste system، و التي بلغ من ضعة قدرها منع أفرادها من الاختلاط بباقي الطبقات الهندوسية، و قصر حظوظ المنتمين لها على أحقر الأعمال و أحط الوظائف.
دخل أمبيدكار المدرسة بعد أن تسمّى باسم أحد مدرسيه المعجبين به من البراهمة، و هي الطبقة الهندوسية الأعلى، ثم استكمل تعليمه العالي في كل من بريطانيا و الولايات المتحدة من خلال علاقات والده الذي كان يعمل مع الجيش البريطاني في الهند آنذاك، ليكون من أوائل أبناء المنبوذين الذين يحصلون على تعليم جامعي في الهند، إن لم يكن أولهم على الإطلاق. إثر عودته إلى بلاده بشهادة عليا في القانون و الاقتصاد و العلوم السياسية، عمل أمبيدكار بتدريس القانون، حيث لاقي صعوبات حقيقية في تقبل المجتمع الأكاديمي له (من المفارقات التي يذكرها في مذكراته أنه عندما كان صغيراً في المدرسة، كان يمتنع عليه أن يشرب الماء من نفس الإبريق الذي يشرب منه زملائه،[2] و عندما كبر و عمل كأستاذٍ للقانون في الجامعة، لاقي نفس المشكلة من طرف زملائه الأساتذة في الكلية الذين رفضوا أن يشرب معهم الماء من ذات الإبريق! في الحالتين، كان السبب هو وضعه الاجتماعي باعتباره ينحدر من فئة المنبوذين”النجسين”). لقد عاش أمبيدكار بعدها ليكون عميداً لكلية الحقوق التي شهدت تعسفاً فى حقوقه.
من خلال الأدوات التشريعية الدستورية، قام أمبيدكار بثورة قانونية حقيقية، سعى من خلالها – و لأول مرة في تاريخ الهند – إلى توفير حدٍ أدنى من العدالة الاجتماعية للجميع على اختلاف خلفياتهم الدينية و الاجتماعية و الجندرية، من خلال كفالة حرية العقيدة، إلغاء نظام الطوائف، تجريم جميع صنوف التفرقة الاجتماعية، ضمان الفرص المتكافئة في التعليم و العمل و الميراث و الاستفادة من المرافق العامة و عداها من حقوق مدنية أوّلية. بل لقد دفع أمبيدكار نحو حجز حصص من المقاعد الوظيفية الحكومية (كوتا) لمصلحة فئة المنبوذين كضمانة لهم ضد التعسف الوظيفي في التعيين، سابقاً بذلك النزعة التشريعية الحديثة بهذا الصدد، و المعروفة في زمننا المعاصر باسم “التمييز الإيجابي” (Affirmative Action) المتمثل في تدخل المشرع لكفالة وضعٍ تمييزي للفئات الاجتماعية الضعيفة.
بعد تجاذبات سياسية شهيرة، صدر الدستور الهندي المتضمن لهذه النصوص في 26 نوفمبر 1949. لقد قيل – بحق – أن ما فعله أمبيدكار في الهند من تغييرات اجتماعية لمصلحة المنبوذين لا يعادله إلا ما فعله مارتن لوثر كنج في الولايات المتحدة لمصلحة الأمريكيين السود.
اليوم، تنتشر في أرجاء الهند تماثيل و نُصُب كثيرة لأمبيدكار، إضافة إلى مطار و أستاد رياضي و متحف ومعبد (نعم، معبد) و كليات عديدة للقانون و عطلة رسمية احتفالاً بيوم ميلاده، بل و مشروع عملة وطنية تحمل صورته (ناهيك عن الأفلام و المسرحيات المحتفية به)، كلها تحمل اسم هذا المشرع الكبير و تخلد ذكراه.
عندما يعي المشرعون عِظم مسئولياتهم فيُحسنون أداء أعمالهم ، ترفعهم الشعوب الواعية إلى أعلى المقامات، لأنها تدرك أن التشريع الحصيف هو فن دفع المجتمع إلى الأمام. لقد بلغ من تكريم الشعب الهندي لأمبيدكار أن صار يضع تماثيلاً له في المعابد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق