هيمن سؤال على البشرية منذ فجر التاريخ عن ماهيّة الفنّ و الهدف منه وتأثيره النفسى على الإنسان.
فقد كان الغرض من الفن بالنسبة لتولستوي توفير جسر من التعاطف بيننا وبين الآخرين، وبالنسبة لأنيس نين Anaïs Nin ،يعتبر طريقة للتعبير عن المشاعر علاوة على أنه قناة للتواصل مع ذاتنا الداخليّة تتيح لنا ممارسةً وفهماً أفضل لمشاعرنا ـــ او بمعنى آخر نوعاً من أنواع العلاج.
كغيره من الأدوات، يملك الفنّ القدرة على توسيع قدراتنا إلى ما يتجاوز تلك التي زوّدتنا بها الطبيعة.
ويبلور كلّ من De Botton و Armstrong الوظائف السبع الأساسيّة للفنّ فى:
1- التذكّر
أى تحديد ما نخشى نسيانه نوعاً ما كأماكن أو أشخاص وربما لحظات ، أى تذكّر ما يهمّ بالفعل، ولذلك يركّز الفن على المغزى ، والفنان الجيد هو من يقوم بالاختيار الصحيح فيما يتعلّق بما يجب نقله للآخر ين ومايجب تركه .
إذاً ، ليس الفنّ ما يقبع ضمن الإطار فقط، لكنّه يشكّل بحدّ ذاته إطاراً للتجارب.
ولذلك يعتبر الفن وسيلة لنقل التجارب وحفظها عبر التاربخ.
2. الأمل
فالفن عادة مايجسد الأشياء والمواقف والموضوعات الممتعة والمبهجة،والتى عادة ماتدفع إلى الإنجاز والنجاح فى العمل ، ولذلك يعتمد متذوقى الفن على الذكاء و القدرة على إدراك الفكرة والوعى بها .
فكلّما زادت صعوبة حياتنا، كلما زادت قدرة تصوير زهرة ما على تحريك مشاعرنا.
3. الأسى
يمكن للفنّ وبما أننا مخلوقات ذات تناقض داخليّ لا متناهي أن يساعدنا لنكون روؤية كليّة ليس فقط بتوسيع قدرتنا على استيعاب المشاعر الإيجابيّة بل بمساعدتنا أيضاً على تقبّل وتحويل السلبيّ منها إلى إيجابى.
أحد أهمّ الأمور التي يستطيع الفنّ أن يقوم بها هي تعليمنا كيف نتجاوز أزماتنا النفسية بنجاح … كما يحدث فى حالة التصعّد فى الكيمياء ( وهى العمليّة التي يتمّ من خلالها تحويل المادة الصلبة مباشرةً إلى غاز، دون التحول إلى سائل كمرحلة أولى) ، و في الفن، يشير التصعد إلى العمليّات النفسيّة للتحوّل، والتي يتمّ فيها تحويل التجارب العاديّة والأساسيّة إلى أمر نبيل وجميل ـــ وهو تماماً نفس الأمر الذي قد يحصل حين يلتقي الأسى بالفن.
فوق كلّ هذا، يناقش De Botton و أرمسترونغ Armstrong أن الفنّ يساعدنا على تقليص الشعور بالوحدة في معاناتنا.
4. إعادة التوازن
يساعدنا الفن على استعادة أحد معايير التوازن لذاتنا الداخليّة ، فى إطار علاقات العمل والروتبن والإحساس بعدم الرضا وبانعدام الأمان ، أو الثقة الزائدة بالغير أو الريبة الزائدة.
تساعد هذه الخاصيّة في الفنّ في شرح التنوّع الكبير لتفضيلاتنا الجماليّة ـــ بسبب اختلاف الاضطرابات التي نعانيها.
إذ تعتمد أذواقنا الفنيّة على نوع العواطف التي تختبئ في الظلّ وبذلك تكون عواطفنا بحاجة للتحفيز ، ويرتبط كلّ عمل فنيّ بنوع ومناخ نفسي معيّن: يمكن للوحة ما أن تكون هادئة أو مضطربة، شجاعة أو حنونة، معتدلة أو قويّة ويعكس اختيارنا لإحداها دون أخرى على الثغرات النفسيّة المتعددة لدينا. إننا نتوق لأعمال فنيّة تعوّضنا عن ضعفنا الداخليّ وتساعدنا على العودة إلى حالة مستقرة. نرى عملاً ما جميلاً حين يظهر المحاسن التي تنقصنا، ونكره الأعمال التي تفرض علينا مزاجاً أو دوافعاً تجعلنا نشعر بالتهديد أو بأننا محكومون. وبذلك يحمل الفنّ الوعد بالكمال الداخليّ.
أى أن الفنّ يوفّر لنا الوعي الذاتي اللازم لفهم سبب استجابتنا سلبيّاً لعمل فنيّ ما ـــ وهي رؤيا قد تمنعنا من ردّ فعل انتقاصيّ. تسمح لنا معرفة ما ينقص شخصاً ما ليرى عملاً فنيّا عملاً جميلاً والعكس كذلك ، وبهذا يكون الفنّ آليّةً لتعديل ــ وتعويض ــ قيمنا الأخلاقيّة.
في الواقع، تتناول أشهر الأعمال الفنيّة عبر التاريخ مهاماً أخلاقيّة من خلال الفن التحذيرى أو الأخلاقى ـــ ويطلق كل من دي بوتون وأرمسترونغ على هذا “محاولةً لتشجيع ذاتنا عبر رسائل مشفّرة من النصح والتوبيخ” ـــ ولكننا غالباً ما نستجيب لهذا بمقاومة أوسخط أحيانا ..أو نراها تفرض آراءا متسلطة ، وفى أحيان أخرى نرى أنها تقوى من إرادتنا ودوافعنا لنطور من ذواتنا .
5. فهم الذات
على الرغم من سعينا وجهودنا لفهم ذاتنا، فغالباً ما تكون الذات غامضة بالنسبة لصاحبها. يقترح العالمان النفسيان أنّ الفنّ يستطيع المساعدة في تسليط الضوء على زوايا العزلة للنفس وجعل الحدس البديهيّ واضحاً بحيث نحس به لكن لا نستطيع التعبير عنه بوضوح:
لسنا واضحين لأنفسنا. لدينا الحدس، الشك، الأفكار الغامضة، والمشاعر المختلطة بشكل غريب. لدينا المزاج، لكننا لا نعرفه بشكل صحيح. وعندها، ومن وقت لآخر نواجه أعمالاً فنيّة يبدو أنّها تلتصق بأحسسنا به لكن لم نتعرّف عليه بوضوح في وقت سابق.
عرّف ألكسندر بوب وظيفةً أساسيّة من وظائف الشعر هى أخذه الأفكار التي نختبرها بشكل غير واضح وإضفاء التعبير عليها ، أى يتم أخذ تجاربنا وتحريرها وإعادتها إلينا أفضل مما كانت عليه، فنحس أخيراً أننا نعرف أنفسنا بشكل أفضل.
أكثر من ذلك، يقول العالمان أن فن معرفة الذات يعطينا لغة للاتصال مع الآخرين ـــ أمر يشرح سبب كوننا محددين حول أنواع الفنّ التي نحيط أنفسنا بها أمام الناس، وهو نوع من احتواء الذات ، وقد نمارسه على صفحات الفيسبوك الخاصة بنا .
على أيّ حال ، يكشف العالمان عن هذه الترجمة السطحيّة لإظهار الدافع النفسي الأعمق ــ رغبتنا في إيصال ماهيتنا وما نؤمن به بطريقة لا تستطيع الكلمات أن تقوم بها وحدها.
6. النموّ
يسمح لنا الفن بتوسيع حدودنا بمساعدتنا على التغلّب على مخاوفنا مما هو غير مألوف .
يفيدنا الانخراط في الفنّ بأنه يزوّدنا بأمثلة أقوى عن المواد الغريبة التي تستجرّ الضجر والخوف، ويوفّر لنا الوقت والخصوصيّة لتعلّم التعامل معها بطريقة أكثر استراتيجيّة. وهي خطوة أوليّة لنصبح أكثر انفتاحاً على الغرابة .
من خلال البحث عن نقاط الاتصال مع الفنان ” مهما كان هشاً وشفافاً ، بحيث نستطيع أن نرتبط بالعمل الذي انبثق من سياق حياته مع الواقع الشخصيّ وربطه بواقع سياق حياتنا.
7. التقدير
إحدى أكبر عيوبنا وأكبر أسباب تعاستنا هي أننا نجد صعوبة في ملاحظة ما حولنا. نعاني لأننا نفقد البصيرة تجاه قيمة ماهو أمامنا ونتوق للجاذبيّة التي نتخيلها في مكان آخر.
فيما يمكن للعادة أن تكون قوّة مذهلة تعمل على تركيز الحياة ، إلى أنّها سلاح ذو حدين يستطيع أن يقضي على سلسلة كاملة من التجارب إذا ما وقعنا تحت تأثير روتين الحياة.
أى نتعلم كيف ننظر بأعين طفولية وأكثر فضولاً للعالم من حولنا.
الكتاب على الرابط التالى :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق