الخميس، 9 أكتوبر 2014

وظيفة #الحدس_الداخلى The function of the internal intuition


وظيفة الحدس الداخلي (Ni) من أغرب الوظائف النفسية لأنها من الخارج تبدو خارقة للعادة بسبب قدرتها على تقديم تنبؤات وتكهنات دون دليل واضح وبدون استخدام التسلسل المنطقي. هذه الوظيفة تنتعش وتحيا على إيجاد الروابط بين الأفكار المتباعدة وإظهار الأنماط الغير مرئية و تسليط الضوء عليها من زوايا غير متوقعة. اللغة الرسمية التي تتحدثها هذه الوظيفة هي “الصور” التي ترسمها على شاشة العرض داخل عقل صاحبها. وظيفة الحدس الداخلي يرمز لها بحرفين (Ni). الحرف الأول (N) يرمز لكلمة (iNtuition) اي الحدس و الحرف الثاني (i) يرمز لكلمة introverted اي داخلي او إنطوائي. تقع هذه الوظيفة في المرتبة الأولى عند شخصية العقل المدبر INTJ والمستشار INFJ أما عند قائد الأركان ENTJ والمدرس ENFJ فتقع في المرتبة الثانية.

من أين تستقى وظيفة الحدس الداخلي معطياتها؟

الانطباعات التي يُقدمها الحدس الداخلي ويُظن بأنها وحي من الله تأتي عبر وظيفة الـ Se (الحواس الخارجية extroverted Sensing) وهي الوظيفة الرابعة لدى شخصية العقل المدبر وشخصية المستشار. تقوم وظيفة الحواس الخارجية Se بجمع الحقائق والمعلومات من العالم الخارجي وترسلها باستمرار للحدس الذي يقبع في سكون من أجل استقبال هذه المعطيات بهدوء يبدو معه كما لو كان كسولًا . مع انه في الحقيقة يعمل بلا كلل في تركيب قطع الأحجية قطعة قطعة حتى تكتمل الصورة. وعندما تتضح معالم الصورة تقفز الروابط والأنماط والعلاقات من بين ثنايا الصورة إلى الوعي وكأنها نبتت من العدم. وهذا هو ما يجعل وظيفة الحدس وظيفة مناسبة “للمسح” السريع على مساحة واسعة من المعطيات من أجل “إستقراء” الوضع العام وتقديم “مرئيات” و “إنطباعات”.
ماهي الصعوبة التي تواجهها وظيفة الحدس الداخلي (Ni)؟

رغم الخاصية المدهشة التي تمتلكها وظيفة الحدس الداخلي إلا إن هذه الميزة تحمل بين ثناياها مشكلة كبيرة يشتكي منها العديد من اصحاب شخصية العقل المدبر (وشخصية المستشار). هذه المشكلة هي عدم قدرة الشخص على شرح العلاقة المنطقية للكيفية التي توصل بها لهذه التنبؤات فيترك من حوله في حالة من الشك .

صعوبة الشرح تعود لعدة أسباب:

في المراحل الأولى للحدس الداخلي (Ni) يقوم بتكوين الصورة الخام الأولية ولا يُركز في التفاصيل بل يُركز على الخطوط العامة. وعندما يُطلع الاخرين على هذه الصورة في هذه المرحلة المبكرة وهي لم تجهز بعد للمشاركة مع الغير؛ قد تهاجمها بعض الشخصيات التي تحب التفاصيل .

السبب الثاني يكون في المراحل الاخيرة من عملية تكوين الصورة حيث يحدث العكس. فبعد أن اتضحت الصورة وتبلورت ، قد تحمل كمية غزيرة من المعلومات أكبر من قدرة الإنسان على التواصل. فلا يتمكن اللسان (عبر الكلام) او اليد (عبر الكتابة) في نقل هذه التفاصيل بسرعة تتناسب مع سرعة الحدس الداخلي .

من أجل تقريب هذه الفكرة المهمه ، لنقل ان هناك عشر معلومات ضرورية لكي يفهم الشخص المقابل العلاقة بين فكرة (أ) وبين فكرة (ب).
هذه الخطوات العشر بالنسبة للحدس الداخلي واضحة ولكن وضوحها Fuzzy هلامي ولا يقاس بالمسطرة والقلم (لاحظ ان الحدس الداخلي في المستطيل الثالث بالأسفل لم ينتبه للدوائر الحمراء ومع ذلك ظلت الخطوط العامة صحيحة رغم فقدان بعض التفاصيل). وما أن يبدأ الحدس الداخلي في محاولة شرح (في المستطيل الرابع) حتى يكتشف ان اللسان او اليد لا يستطيعان نقل ما يقدمه لهما بسرعة مناسبة ، فلا يزال اللسان يشرح الخطوة رقم واحد بينما الحدس الداخلي قد انتقل للخطوة الرابعة ولذلك وفجأة يضطر اللسان (خلال الكلام) او اليد (خلال الكتابة) للإنتقال بدون بشكل يبدو إعتباطيًا للخطوة الرابعة .. أين اختفت الخطوة رقم اثنين و ثلاثة؟ ضاعتا بسبب عملية “القفز” وضاع معهما من كان يستمع أو يقرأ له.

الطبيعة البصرية للحدس الداخلي (Ni)

البشر بشكل عام مخلوقات بصرية تستقي معلوماتها من العالم المحيط وتتفاعل معه بناء على معطيات حاسة البصر بشكل أساسي. ولكن هذه الحقيقة مضاعفة بالنسبة للشخصيات التي تمتلك وظيفة الحدس الداخلي كوظيفة أولى (العقل المدبر والمستشار). وعلى عكس الوسائل الأخرى للتواصل كاللغة المكتوبة، تستطيع الصور تخزين كمية معلومات أكبر بكثير من النصوص (ألا يقال بأن الصورة خير من ألف كلمة!؟). هذا يفسر لماذا يُقدر اصحاب وظيفة الحدس الداخلي الفنون الجميلة بشكل عام ويتذوقون الجماليات واللوحات السيرياليه وغيرها لأنها تخاطب حدسهم مباشرة.

الأمر الأهم أن الصور تستطيع جمع “الأضداد” في نفس المكان دون قيود بينما الكلمات محددة بقوانين تُقيد حريتها وتجعلها تمشي في مسار “خطي” شبه مستقيم بينما الصور تساعد على التفكير “اللاخطي” والذي يقدم حلولاً ابتكارية غير متوقعة. هذا أيضًا يفسر كيف يستطيع الحدس الداخلي بناء هياكل نظرية Theoretical Frameworks من مكونات تبدو متضادة (مثل نظرية كارل يونغ – اللي يُجمع الكثيرون على أن شخصيته INTJ- لاحظ أنه جمع في نظريته بين الاضداد: المنطق والمشاعر وبين الحواس والحدس في نظام مُوحد وأنيق. لا أتخيل أنه بالإمكان الوصول لمثل هذه النتائج لو أنه أتبع طرق التفكير الخطية).

بعض الشخصيات لا تستقبل الحدس الداخلي ولا تستوعبه

لأن الحدس الداخلي Ni غير ملموس لذلك تجد الشخصيات الحسية صعوبة في التواصل معه وتقدير الأفكار التي يقدمها. هناك حاجز كبير يحتاج مجهود وصبر من اجل التواصل بلغة مشتركة يفهمها الطرفان.

كيف يمكن تحسين قدرة الحدس الداخلي على شرح أفكاره؟

- استخدام الصور ورسمها فهذه لغة الحدس الداخلي (Ni) وعبرها سيرى الآخرون ما تراه.

- استخدام خرائط العقل Mind Map فهي إمتداد طبيعي لقدرة الحدس الداخلي على التوسع وهي من أفضل الوسائل لتوضيح معالم الحدس الداخلي (كأنها أداة نحت تُجسّد الشكل الهلامي وتحوله إلى تمثال واضح المعالم والتفاصيل). لقد أحدث تعلمي لـ “خرائط العقل” نقلة نوعية في طريقة تفكيري وساعدني على تنظيم حدسي الداخلي بشكل أدهشني كثيرًا بالنظر لكونها طريقة سهلة – وربما بدائية – لا تحتاج إلا لقلم وورقة فقط. ولكن إن اردت استخدامها بكثافة وإحترافية فيوجد الكثير من البرامج المناسبة. لم أندم على شيء مثل ندمي على عدم تعلمي لخرائط العقل في مرحلة أبكر من حياتي. إفعل لنفسك معروفا وتعلمها في أقرب فرصة.

انقل فكرتك من الحدس الداخلي إلى وظيفة (المنطق الخارجي Te) إما عبر نقاش الاخرين أو بشرحها في هيئة محاضرة (استخدام اللسان) أو عبر كتابة الافكار (استخدام اليد). أعد شرحك مرارًا وتكرارًا في أوقات مختلفة لكي تُجبر الحدس الداخلي على تحديد ملامح الفكرة وستظهر التفاصيل شيئا فشيئا حتى تتخذ شكلا مناسبا يساعدك على شرحها دون خوف من ضياع التفاصيل او الظهور بمظهر مُشتت.

عيوب الحدس الداخلي

كما أن للحدس الداخلي محاسن فله عيوب ايضًا – ككل الوظائف النفسية الأخرى – ومن أهم العيوب هي:

الاستعجال 
ضياع الفكرة 
الذاكرة السيئة 
النمذجة
غباء الذكى .

احيانا يتحمس الحدس الداخلي في وضع روابط خاطئة وملء الفراغات بتوقعات غير صحيحة لأنه لم يبذل الجهد في التأكد منها. يحدث هذا في الحالات التي لا يكون هناك قيود على الحدس الداخلي مما يشجعه على خلق روابط دون الحاجة للتروي والتثبت. مثلًا ، مع شخص قريب كأخ أو أخت أصغر منك سنًا – لأنهم عادة لا يستطيعون محاسبتك عندما تخطىء- في هذه الحالات قد يقوم الحدس بإستنباط روابط تنتهي للوصول لنتيجة خاطئة كإتهامهم بتهمة ما بناء على معطيات قليلة ثم يتبين خطأه بسبب الإستعجال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق