إذا بحثت على الأنترنت على السياحة الأدبية ، وجدت هذا النوع من أنواع السياحة يحتل موقعا هاما فى اهتمامات الدول المتقدمة والدليل على ذلك هذا الكم الهائل من أماكن السياحة الأدبية حول العالم والتى أشرنا إليها فى ال post السابق ، فى الوقت الذى يكاد يكون منعدما فى مصر ، فيما يبتكر الغرب أشكالا متفردة من السياحة مثل "سياحة الكوارث" وينظم سفرات لمواقع البراكين والأعاصير وخراب الهزات الأرضية والحروب، بل ويقيم متاحف لتخليد ذكراها، والقطاع الآخر هو "السياحة الأدبية" والتي قد تدفع بالبعض على سبيل المثال إلى السير في ذات الطريق الذي مشت فيه شخصية أدبية مرموقة مثل "دون كيخوته" ، فيأتي الناس أفواجاً لإتباع دروب طلعاته في الفلوات الأسبانية المذكورة في الرواية، ويمرون بالقلاع والأودية التي مر فيها ويأكلون وجبات الطعام التي أكلها، ومن ثم وصولاً إلى البيت الذي "يفترض" أنه مسقط رأس مؤلفها.. وغير ذلك من تفاصيل جميلة. بل إن بعضهم قد يدفعه ولعه وشغفه بشخصية أدبية معينة إلى زيارة ذات الأماكن والمقاهي والأسواق التي كانت ترتادها بل ويبلغ بهم الأمر في بعض الأحيان إلى زيارة قبورها أو زيارة التماثيل والمجسمات التي أعدت على شاكلتها.
فى الوقت الذى تزخر فيه منطقتنا العربية عامة ومصر خاصة بالعديد من الأسماء والشخصيات الأدبية العظيمة التي استطاعت بكل ما أوتيت من مهارة وإبداع أن تخلق تأثيراً عميقاً في النفوس وتبني لنفسها مجداً أدبياً يضاهي أمجاد أعظم أدباء و فلاسفة الغرب... وتجدر الإشارة هنا إلى حدث هام آلا وهو سوق عكاظ التاريخي الذي كان يعد موقعاً سياحياً أدبياً في العصر الجاهلي إذ كان يجتمع تحت مظلته أبرز شعراء وأدباء الجاهلية من مختلف الأقطار حيث يلتقون هناك ويتبارون بقصائدهم في خيمة النابغة الذبياني وفيه عُلّقت القصائد السبع الشهيرة التي عرفت بالمعلقات تقديراً لشعرائها ولتميز تلك القصائد بفصاحتها وبلاغتها وجزالتها على من يحضر الموسم من شعراء القبائل إلى غير ذلك، ورغم مرور السنين على أفول نجم هذه البقعة السياحية الأدبية إلا أن الروح عادت إلى الجسد في ذلك السوق القديم بعد أن تولى صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل إمارة منطقة مكة المكرمة فعمل على إحياء ذلك الإرث الأدبي العريق وقام بإذكاء شعلة ذلك السوق من جديد من خلال مهرجان سنوي يقام كل عام في أيام محددة ويدعى إليه أبرز الشخصيات الأدبية والفنية والأكاديمية وتتنوع فعالياته مابين الأمسيات الشعرية والندوات والمحاضرات التثقيفية ومعارض الصور الفوتوغرافية واللوحات التشكيلية إلى جانب المسرحيات التي تجسد شخصيات تاريخية أدبية قديمة كا امرؤ القيس وعنتر بن شداد هذا فضلاً عن السوق الشعبية التي تعرض فيها البضائع المتنوعة والتحف الأثرية من مختلف مناطق ومحافظات المملكة العربية السعودية فكان بالفعل جدير بأن يحتفى به كموقع سياحي أدبي ذو تاريخ عريض لا يختلف اثنان على أهميته وعراقته...
أما فى مصر فنحن نغفل عن جانب هام من تراثنا الأدبى ، فهذا منزل العقاد الذى لايقدر بثمن فى الوقت لانلقه أدنى اهتمام تتهافت العروض من الخارج لشرائه ، وهذا ينسحب على معضم أدبائنا ومفكرينا ، فيما عدا منزل طه حسين الذى تم تحويله إلى متحف ، ولكننا لاننكر أننا فى حاجة إلى خطة شاملة لتفعيل دور السياحة الأدبية فى مصر التي تساهم بإدخال أكثر من 3 ملايين دولار إلى خزينة مقاطعة كينت البريطانية وحدها، لكونها المكان الأساسي الذي شكل الإلهام للأديب البريطاني الشهير تشارلز ديكينز Charles Dickens في العديد من رواياته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق