الجمعة، 22 أغسطس 2014

جوزيف س. ناي ومستقبل القوة Joseph Nye and the future of power



يشير لهذا المفهوم جوزيف س. ناي  فى كتابه الأخير "القوةالناعمة: وسيلة النجاح في السياسة الدولية" الصادر عام 2004   ، في ترجمته العربية التي أنجزها (محمد البجيرمي) ، وصدرت عن مكتبة العبيكان   عام 2007. والمؤلف ليس مجرد مفكرٍ أو محلل سياسي، فهوعميد كلية كيندي  للدراسات الحكومية في جامعةهارفارد،ورئيس مجلس المخابرات الوطني و مساعد وزير الدفاع في أميركاسابقا.

ولقد جاء هذا الكتاب ليوضّح مفهوم "القوة الناعمة" ويطوّره ويوضّحه بالأمثلة لأنّ الناس قد أساؤوا فهمه واستخدامه، وحصروه في نظرة سطحية لا تتجاوز تأثير الماكدونالدز والأفلام وتقاليع الأزياء وما إلى ذلك. أما التعريف الذي يضعه في الكتاب للقوة الناعمة فهو "القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال" ، وهكذا فهي تختلف عن القوة الصلبة المكونة من العتاد العسكري والثراء الاقتصادي واستعمالهما بالتهديد بالعقوبات أو الاستمالة بالمساعدات. أن تمتلك قوة ناعمة يعني أن تجعل الآخرين يعجبون بك ويتطلعون إلى ما تقوم به فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك وبالتالي تتفق رغبتهم مع رغبتك.
يبدأ الفصل الأول بتأصيل مفهوم القوةالناعمة ، وهـو كما يقول المؤلف عبارة عن القدرةعلى التأثير في سلوك الآخرين للقيام بعملٍ ما يتفق مع ما نريده.
بعد ذلك ينتقل الحديث إلى القوة السياسية الناعمة بالنسبة  للدول ليوضح أن بلدًا ما قد يكون قويًا ذا تأثيرٍ في السياسة الدولية.
 وهكذا نفهم أنّ القوة الناعمة تعتمد على قدرةالدولة في صياغةرغبات الآخرين بعد أن تكون بمثابة قدوةٍ لهم يتبنون قِيَمها ، وأسلوب حياتها فهناك دولا لا تمتلك قوة عسكرية أو اقتصادية كبيرة ، إلا أنها تتمتع  بقوة ناعمة بسبب مشاركتها في قضايا عالمية جاذبة ، مثل  محادثات السلام ومبادرات الحفاظ على البيئة ومكافحة الأمراض والأوبئة.

أما الفصل الثاني فقد يكون الأكثر إمتاعًا حيث يستعرض فيه المؤلف العديد من العوامل التي يمكن أن تكون مصادر ثرية للقوة الناعمة الأميركية. فمثلا تحتوي أميركا على 62% من أهم العلامات التجارية في العالم، وبها 28% من جميع الطلاب الدارسين خارج بلادهم، وهي أكثر دولة تستقطب المهاجرين ، وتنشر الكتب والمؤلفات الموسيقية وتنتج البحوث العلمية ، علاوة على أنها تعتبر أهـم مصدّر للأفلام والبرامج التلفزيونية.
 إلا أنه يوضّح أن وجود تلك المصادر الجاذبة لا يعني بالضرورة إنتاج قوة ناعمة متحققة، لأنها يجب أن تتناغم مع جاذبية السياسة العامة للبلد، فمثلا رغم الإعجاب الجماهيري العالمي بعلوم أميركا وتقنياتها وأفلامها وموسيقاها إلا أنها خسرت كثيرًا من جاذبيتها في حرب فيتنام وعند غزو العراق عام 2003.

ومن أهم ما تحدث عنه المؤلف دور الثقافة النخبوية في إنتاج القوة الناعمة ، فعرض أهمية المبادلات الأكاديمية والعلمية وكيف أن الكثير من العلماء السوفييت الذين زاروا أميركا قد تأثروا بالأفكار الأميركية وأصبحوا لاحقًا ناشطين في حركات حقوق الإنسان في الاتحاد السوفييتي.

 بعد ذلك تحدث عن دور الثقافة الشعبية المتمثلة في الأفلام والأغاني والرياضة وما إلى ذلك مما يبثّ القيم الأميركية حتى ، وإن بدت سطحية مبتذلة،ولا يمكننا أبدًا التقليل من تأثير هوليوود "فالصور كثيرًا ما تنقل القيم بصورة أقوى مما تفعل الكلمات، وهوليود هي أكبر مروّج ومصدّر للرموز البصرية".
ويشير المؤلف إلى أنّ هذه الثقافة الشعبية هي التي تغلبت بقيم الحرية والديمقراطية والليبرالية والشبابية على مدّ الفكر الشيوعي، وهي التي اخترقت جدار برلين بزمن طويل قبل سقوطه. وفي الصين يذكر الكاتب مثالا إحدى المُعارِضات التي كانت تدندن بأغاني (بوب ديلان) في رأسها عندما تُجبر على الاستماع إلى الخطب الشيوعية، وكذلك أفلام هوليود المهربة التي دغدغت رغبة الشباب الصيني في إحداث التغيير والانفتاح السياسي. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإعجاب بالقيم الأميركية لا يعني الرغبة في تقليد أميركا، فهناك ملاحظات سلبية كثيرة على الممارسة الأميركية لهذه القيم خاصة لدى المجتمعات التي تهتم بالقيم الأسرية والاجتماعية.
ولكن أميركا ليست الرائدة في كل نوعٍ من مصادر القوة الناعمة، وهذا ما يوضحه.

الفصل الثالث حين يتحدث عن الدول الأخرى مثل الاتحاد السوفييتي الذي كان له تأثير كبير تقوّيه الأحزاب الشيوعية في مختلف مناطق العالم، وكان ينفق كثيرًا لنشر ثقافته وفنونه ويشارك في القضايا الإنسانية الجذابة، إضافة إلى تقدمه العلمي الكبير.
 أما المنافس الحالي الأقوى لأميركا فهي أوروبا، حيث الفنون والآداب والأزياء والأطعمة الأوروبية تتمتع بجاذبية عالمية طاغية ، إضافة إلى أن الدول الأوروبية تحتل المراكز الخمسة الأولى في عدد جوائز نوبل في الأدب، والمراكز العليا في مبيعات المؤلفات الموسيقية ونشر الكتب. هذا وتنفق جميع الدول الأوروبية أكثر مما تنفقه أميركا على مساعدات التنمية الدولية والدبلوماسية العامة، بالإضافة إلى جاذبية أوروبا كونها تميل للسلم وتدافع عن قضايا حقوق الإنسان وحفظ البيئة ..الخ  وكونها ذات خبرة أكبر وأفضل من أميركا في إدارة المؤسسات متعددة الجنسيات.
  بعد ذلك يتحدث المؤلف عن آسيا وخاصة اليابان التي لها قوة ناعمة كبيرة بسبب كونها صاحبة أكثر براءات اختراع في العالم،ورائدة الصور المتحركة وألعاب الفيديو ،  واحتلالها المركز الثاني في بيع  الكتب والموسيقى وصادرات التقانة العليا واستضافة المواقع الإلكترونية مع الإشارة إلى المستقبل الباهر الذي ينتظر الصين والهند.ويختتم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن المؤسسات غير الحكومية التي تتمتع بقوة ناعمة كبيرة مثل المنظمات الحقوقية ،والشركات عابرة القومية، خاصة وأنها تستفيد الآن من الثورة المعلوماتية والاتصالات.

وأما الفصل الرابع فقد ركّز على إتقان استخدام القوة الناعمة، كما فعلت فرنسا حين نشرت لغتها وآدابها في الخارج في القرن التاسع عشر. ومن الأمثلة الهامة والمثيرة مكتب الخدمات الإستراتيجية في أميركا الذي كان يعمل على "نشر المعلومات المضللة، وتشكيل منتجات هوليود لتصبح أدوات دعاية فاعلة،واقتراح إضافة أشياءأو حذف أشياءوحرمان أفلام أخرى من الرخصة" .
 ثم تحدث المؤلف عن تراجع الاهتمام الأميركي باستثمار القوة الناعمة مع مرور السنين إلى أن جاءت أحداث 11 سبتمبر ،  حين بدأ الأميركان بمراجعة أنفسهم.
وينصح المؤلف بأن تهتم أميركا بنشر صورة حسنة عن نفسها في العالم وعدم الاعتماد على أصدقائها من الحكّام ، فغالبية الدول الآن تنتهج الديمقراطية ولديها برلمانات وجماهير تؤثر في السياسات الدولية. ولعلاج ذلك يقترح المؤلف استخدام ثلاثةأبعاد للدبلوماسيةالعامةوهي: (1)الاتصالات اليومية أي توضيح السياسات المحلية والخارجية عبر الإعلام.
 (2) الاتصال الاستراتيجي   أي الحملات السياسية الدعائية المركزة على العلاقات الدائمة مع الشخصيات ، وذلك عبر المنح الدراسية والمبادلات الأكاديمية والتدريب والمؤتمرات على أن تتماشى هذه الأبعاد مع السياسة العامة للبلد لزرع صورة إيجابية.
ويخصص المؤلف جزءًا للحديث عن الشرق الأوسط ، وصعوبة اسـتخدام القـوة الناعمة فيه لأسباب عديدة منها الفوارق الثقافية الكبيرة بين أميركا والشرق الأوسط ونزعة العداء لأميركا. رغم ذلك فهناك جوانب كثيرة من الثقافة الأميركية يحبها الشرق الأوسط تُعدّ أساسًا جيدًا للقوة الناعمة إلا أنّ أميركا أثبتت فشلها في استغلال هذه الفرص. لذلك فقد وضعت لجنة استشارية بعض التوجيهات لزيادة قوة أميركا الناعمة في البلادالعربية الإسلامية مثل :
إنشاء المكتبات وترجمة الكتب الغربية إلى العربية ، وزيادة المنح الدراسية والزيارات الأكاديمية.
 ويشدّد المؤلف على ذلك بقوله إن "أهم شيءهو تطوير استراتيجية بعيدة الأمد للمبادلات الثقافية والتعليمية  ،التي تنمي مجتمعًا مدنيًا أغنى وأخصب وأكثر انفتاحا في بلدان الشرق الأوسط. إن أكثر الناطقين باسم أميركا فاعلية وتأثيرًا ليسوا هم الأميركيين، بل وكلاؤهم المحليون من أهل البلاد الأصليين الذين يفهمون فضائل أميركا وعيوبها كذلك".

وأما الفصل الأخير من الكتاب فمخصص للحديث عن العلاقة بين السياسـة الخارجية الأميركية والقوة الناعمة، وقد بيّن فيه المؤلف كيف أن هذه السياسة "المكروهة" قد  أدت إلى انحـدارالقـوة الناعمة وتناقص أثر الثقافة الشعبية الأميركية في العالم ، في مقابل  تزايد الإقبال على الثقافات الأخرى والفاعلين الآخرين.


تحميل الكتاب على الرابط التالى:


للمزيد:





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق