يطلق اليابانيون على النظام التعليمي الذي يعتقدون انه يغني العقل والجسم معاً بمعاييره الفريدة في السلوك اسم "تعليم الصدر العاري" حيث يتوقع المدرّسون من الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين الثالثة والسادسة ان يواجهوا جميع انواع الطقس مهما كانت وهم شبه عراة. وحين تتساقط الموجات الاولى من الثلوج تواجهك مناظر غريبة حقاً: مجموعات عديدة من الاطفال الذين يلعبون في الثلج وهم شبه عراة، او يجلسون في غرف الدراسة بنوافذها المشرّعة حتى ولو كانت العواصف تهبّ في الخارج وكانت درجة الحرارة تحت الصفر.
هذا الاسلوب في التعليم اكتسب شعبية كبيرة في اليابان خلال السنوات العشر الماضية. ويركز هذا النظام على التعليم الرياضي والجسماني والالتزام بمعايير سلوك صارمة تكاد تكون عسكرية في بعض الاحيان.كما ان الآباء والأمهات يقبلون هذا النظام لأنه في رأيهم افضل وسيلة لبناء الشخصية.
لكن هذا النظام يشتمل ايضاً على مجموعة كبيرة من الانشطة والمواضيع الدراسية التي تتراوح ما بين الموسيقى التقليدية والغناء والشعر وفنون الكتابة او الرقص في حصص دراسية متلاحقة لا تزيد مدة الواحدة منها على عشرين دقيقة. وخير دليل على نجاح النظام الاعداد الهائلة من الطلبات التي يقدمها اولياء الامور الى تلك المدارس لإرسال ابنائهم اليها واضطرار المدارس الى رفض الكثير من الطلبات لعدم توفر الأماكن الكافية.
هذا النظام الفريد من التعليم ليس جديداً في اليابان. ففي عام 1969 استخدم يوشيتاكا يوساتو هذا النظام الصارم لاعداد الاطفال في مدرسة في مدينة "تويو هاشي"
يقول سوجي ماتسوموتو مدير مدرسة "دياني هيكاري" : "هنا يكتشف الاطفال حقيقة اجسامهم، ويشعرون بارتياح كامل. كما انهم يزدادون نشاطاً وصراحة وجرأة. ولا تمرّ سوى ايام قليلة حتى يكتسب الوافدون الجدد المعروفون بحيائهم وخجلهم كل تلك الصفات النبيلة".علاوة على أن "تعليم الصدر العاري يزيد من نشاط الطفل ويعطيه ثقة اضافية ويكسبه المزيد من المرونة لا سيما حين يكون الطقس بارداً
وتمتدح إياكو والدة احد الاطفال في المدرسة هذا النظام فتقول: "انني ادفع ما يعادل 2500 دولار في السنة لكي يستفيد ابني من هذا النظام . فمع انه مرض في العام الماضي لكنه ازداد قوة ومناعة الآن ولم يعد يرتدي أي كنزة مهما كان الطقس". "صحيح ان هذا النظام شاق وصارم. ولكن الاطفال فخورون بما ينجزونه ويتعلمونه وسيكتشفون قيمة ذلك حين يكبرون".
فالانضباط هو أساس هذا النظام. فحين يغادر الاطفال مدرسة "دياني هيكاري" يكونون قد تعلّموا اللاتينية واليابانية والصينية. وبعد التحاق اولئك الصبية بالمدارس الثانوية تنهال رسائل التهنئة على مدرسة "هيكاري" لتعرب عن الامتنان لها لما يتحلى به طلابها من "انضباط ولطف وثقة ومعرفة واحترام للقوانين وللآخرين".
إلا أن جان فرانسوا سوبير مدير فرع طوكيو لمركز الابحاث الفرنسي والذى ألّف كتاباً انتقد فيه بشدة نظام التعليم في اليابان لأن "الطلاب يقبلون القواعد الاساسية فيه من دون ان تتاح لهم أي فرصة للتساؤل عن اهدافه النهائية". وهو يرى ايضاً ان المجتمع الياباني بشكل عام لا يولي الاهتمام الكافي لروح الابتكار.
الا ان مدير المدرسة لا يكترث بهذه الانتقادات ويقول ان خبرته في نظام "تعليم الصدر العاري" منذ خمسة عشر عاماً أقنعته ان الإبداع لا يتطور وحده من خلال السماح للاطفال باللهو واللعب مثلما يحلو لهم، "اذ يجب علينا ان نعلّمهم كيف يعملون وكيف يدرسون وكيف يلعبون، وان نؤمن لهم العناصر والعوامل الضرورية التي تساعدهم على التعبير عن انفسهم فيما بعد. حتى بيكاسو تدرّب في ظل نظام صارم قبل ان يبدأ في التعبير عن نفسه بحرية".
إلا أن نظام التعليم الياباني الذي يستند بالدرجة الاولى على التمارين المكررة والمعادة وعلى الحفظ عن ظهر قلب لا يزال أفضل نظام وأفضل آلية لانتاج عقليات جماعية رائعة واعطاء مدراء لا أنداد لهم حتى ولو كان ذلك خالياً من الابداع. لكن النظام التعليمي الياباني له عيوبه وحدوده، فالنظام الاميركي الذي يقوم على توجّه مغاير تماماً لليابان لأنه توجّه يعتمد على الافراط في الحرية واطلاق العنان للتعبير الفرد أنتج ثلاثين ضعفاً من الفائزين بجائزة نوبل بالمقارنة مع اليابان. وفي هذا ما دفع سومومو تونغاوا اول ياباني يفوز بجائزة نوبل الى الاعلان صراحة ان دراسته في اميركا وسويسرا هي التي ساعدته على الفوز ، بل أنه قد أدى ببعض الطلاب إلى الانتحار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق