الأحد، 17 أغسطس 2014

العالم الفنان والروحاني "رودولف شتاينر" Scientist, artist and spiritual "Rudolf Steiner"



ولد الفيلسوف والمفكر العالم والفنان والروحاني رودولف شتاينر في 25 شباط 1861 في قرية صغيرة تدعى كارلفيك، داخل حدود الإمبرطورية النمساوية- الهنغارية، والتي تشكل اليوم جزءا من كرواتيا وتوفي في 30 آذار 1925 في دورنوك، سويسرا. هو يعتبر بلا منازع أعظم "مسار" ومتنور في القرن العشرين، فيلسوف في الحياة والنفس والروح والإنسانية وأحد أكبر المفكرين والمبدعين في التاريخ. أمضى سنوات حياته دارسا متعمّقا وأيضا كان"معلما" في مجالات الفلسفة، الطب، الفنون، التعليم، الزراعة والهندسة وعرف ايضا ناقدا أدبيا من المستوى الرفيع، ومصلحا إجتماعيا ملما في العلوم الباطنية والروحية. تعمقه الشديد في كافة مجلات العلوم شكل التربة الخصبة التي منها نمت فلسفته الروحية العميقة. في بداية القرن العشرين أسس نوع من جمعية روحية "الانثروبوصوفيا".
ترك والده يوهان شتاينر عمله كمراقب صيد لدى عائلة الكونت هيوس ليتزوج بإحدى خادمات العائلة وأصبح بعدها عامل تيليغراف على سكة حديدية في جنوب النمسا. بعد ولادة إبنه رودولف قرر الوالد أن يتمركز في كارلفيك ويسكن فيها.
دخل شتاينر مدرسة القرية، وبعد خلاف بين والده ومدير المدرسة، إضطر إلى إكمال تعليمه في البيت لفترة وجيزة، ولكن بعد إدراك الوالد لقدراته العقلية الهائلة، قرر ارساله إلى جامعة تقنية في فيينا، حيث درس الرياضيات، الفيزياء والكيمياء، علم النبات وعلم الأحياء والأدب والفلسفة. هنا قرر شتاينر أن يدعم نفسه بنفسه عن طريق المنح المدرسية والدروس الخصوصية.
عرف منذ صغره بشخصية جدية وهادئة وبقوة تركيز عالية جدا، فكان متنورا باطنيا مع بصيرة روحية مذهلة. واجهته في شبابه تجارب رهيبة، أدت إلى تتويج نضوجه تدرجيا في سن مبكر برسالة ناضل من خلالها من أجل الحقيقة والحياة. ترعرع في منطقة جبلية ومنعزلة فكانت هذه البيئة لها تأثيرها كبير على مسار حياته، مما جعله يكتشف في داخله الكثير من القدرات الإستثنائية. كان يشارك دائما في خدمة القداس في كنيسة البلدة ومنتسب في جوقتها، فكانت تأملاته اللاهوتية وهو في خدمة القداس، وهيبة الموسيقى الليتورجية موحية جدا له، فإزداد شغفه لمعرفة أسرار الوجود التي لم تفارق ذهنه يوما. كان لديه إنجذاب غريب إلى الشعر الصوفي، الذي كان دائما يميل إلى التعمق في رمزيته الروحية، أما كل أفكاره ومشاعره وخبراته كانت متركزة بشكل مستمر على العالم الآخر. موهبته الفطرية في رؤية الأرواح كانت دائما تقلقه، ففي سن التاسعة رأى روح خالته التي كانت قد توفيت في بلدة بعيدة تطلب منه المساعدة، وفي نفس وقت حدوث الرؤية لم يكن هو ولا عائلته على دراية بوفاة المرأة، منذ ذلك الوقت أصبح العالم الروحي بالنسبة إليه حقيقة ملموسة حتمية وواضحة كما هو عالمنا المنظور، وان العالم الحسي ليس سوى إحدى تجلياته، فإزداد إيمانه ويقينه أن هذين العالمين يعملان بإستمرار داخل النفس البشرية.

نرى في هذا الفتى الهاديء والدائم السكوت ميزة خاصة، نادرا ما نراها عند البالغين وهي السيطرة على الذات، فلم يكن أحد يسمح لنفسه بأن ينطق أمامه بأي خرافة أو تجديف لأن عيونه الهادئة والثاقبة كانت تجبر المتكلم للعودة إلى التفكير الجدي والسليم. أضف إلى تلك الإرادة الصلبة نوع من الرقة والشفقة العميقة والدافئة، نحو جميع الكائنات وصولا الى الطبيعة الجامدة، والتي كانت تؤلمه في بعض الأحيان، لإيمانه العميق بأن جميع تلك الكائنات تحمل في داخلها الألوهة المتجسدة، وأن الذهب الساطع يختفي وراء القشرة الصخرية الصلبة. هذه الفكرة التي كانت غامضة بالنسبة إليه، عمل لاحقا على تطويرها معلنا أن الروح الإلهية موجودة داخل كل إنسان، أسيرة في الجسم المادي ويجب العمل على ايقاظها من خدرها وصقلها وتحريرها.
في الخامسة عشر من عمره، تعرف شتاينر على أحد المعالجين بالاعشاب الذي أثار إعجابه وفضوله، فكان هذا الاخير يعمل على جمع النباتات الطبية ليبيعها إلى بعض الصيادلة في فيينا. لم يكن هذا العالم فقط على معرفة مميزة بجميع أنواع وفصائل النباتات بأدق تفاصيلها وحسب، إنما كان أيضا على إلمام بجميع مزاياها وتأثيراتها. أمضى هذا العالِم حياته يناجي الروح اللاوعية للنباتات والازهار بالإضافة إلى موهبته في رؤية العالم الأثيري والكائنات الروحية التي تنتمي إلى العالم النباتي. فمن اللقاء الاول تأثر شتاينر به تاثيرا شديدا، ووجد معه ترابطا روحيا عميقا فإتخذه صديقا.
في سن الثامنة عشر من عمره كان يمتلك شتاينر الوعي الذاتي والتلقائي الذي يفرض عليه بطريقة إرادية ولا إرادية رؤية العالم الروحي لجميع الأشياء من حوله، منذ ذلك الحين أصبح لديه الإحساس الكبير حتى اليقين أن هناك قوة خفية تعمل من خلاله لإرشاده وتوجيهه، فبدأ يستشعر بتناغم وإنسجام عميق معها، وكان دائما يصغي إليها.
إلى جانب حياته الباطنية والتأملية، كان عقله الواعي والفلسفي ينمو ويتطور بقوة كبيرة، عندما كان في سن 16- 17 إنغمس عميقا في دراسة كل الشخصيات العظيمة في تاريخ الفكر، أمثال كانت، فيشتيه وشيلينغ، وبعد بضع سنوات من مجيئه إلى فيينا، أصبح من أكثر المتحمسين والمعجبين بالعالم والفيلسوف غوتيه، الذي كان لديه معرفة فائقة وواسعة في العلوم الباطنية، أما بالنسبة لشتاينر فإن فلسفته التأملية لم تكن تشفي غليله . تفكيره الإيجابي دفعه إلى دراسة القواعد الاساسية للعلوم الإختبارية، فإنكب على دراسة الرياضيات، الكيمياء، علم المعادن والنبات وعلم الحيوان...، فقد قال يوما أن تلك الدراسات منحته صورة أكيدة وواضحة لبنية النظام الروحي للكون أكثر بكثير من التاريخ والادب، أما حبه وحماسه الكبير للإضطلاع والمعرفة جعله من أكبر المتحمسين للشعر ومن عشاق الفن الرفيع الذي كان بالنسبة إليه مدخلا ومنفذا الى عالم الروح، فمن خلاله يهب الفنان الحقيقي ذاته للروح بطريقة واعية أو غير واعية.
وسط دراساته المتنوعة وتأملاته العميقة المكثفة، تعرف شتاينر إلى تركيبة الكون، وقوة الحدس التي كان يمتلكها بالفطرة شكلت علامة فارقة عنده، فقد كانت دائما "اليقين- الثابت" التي كانت تدله وتساعده للعمل على إزالة جميع الشكوك وأزمات اليأس التي عادة ما كانت ترافق الكثيرين من العلماء الكبار والمتصوفين قبل الوصول إلى نتائج محددة ومقنعة. أما ما كان يشغل باله بإستمرار هو الجواب على سؤال كان يأخذ كل طاقات تفكيره، وهو الطريقة العلمية المقنعة التي تمكننا من إثبات حقيقة أن الروح هي العامل الوحيد والحقيقي الذي يعمل في تفكير الكائن البشري؟ وهذا الفيديو يستعرض إحدى المدارس القائمة على فلسفة Rudolf Steiner. 

موقع  :



للمزيد حول أعمال Rudolf Steiner:
 :

مكتبة Rudolf Steiner:  :



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق