يرىAndreas Schleicher أن البرنامج الدولي لتقييم الطلبة "پيسا" وهو اختبارلمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لتقييم معارف ومهارات أطفال أعمارهم 15 سنة حول العالم يعكس قضية هامة آلا وهى كيف أن المقارنات بين الدول تؤدى إلى عولمة مجال التعليم الذي مازلنا نتعامل معه على أنه قضية سياسية داخلية فقط.
البعد الأول :أن المؤشر الحقيقي للنجاح، في عصر الاقتصاد العالمي،ليس هو مدى الازدهار الوطني، بل مدى كفاءة الأنظمة التعليميةعلى مستوى العالم
مثال على ذلك أن الولايات المتحدة كانت في الستينيات فى المرتبة الأولى ، ونسبة كبيرة من نجاحها الاقتصادي يعود لميزة أنها أول من اهتمت بالتعليم. لكن في التسعينات تراجعت إلى المرتبة 13 ليس لأن معاييرها قد تدهورت بل لأن تلك المعايير تطورت بسرعة مذهلةفي باقي العالم.
أما كوريا فتقدم دليلا عما يمكن القيام به لإصلاح التعليم. قبل جيلين كان مستوى المعيشة في كوريا كمستوى المعيشة في أفغانستان اليوم، وكان نظامها التعليمي من بين الأنظمة الأقل كفاءة. واليوم،يصل كل طفل كوري تعليمه إلى التعليم الثانوي.
المشكلة ليس في تقدير الوقت الذي يقضيه الطلاب بالمدرسة أو أن الشهادة التي تحصلوا عليها ولتى قد لا تكون دائما أفضل طريقة للتعرف على قدراتهم الحقيقية.. والدليل على ذلك إرتفاع معدلات البطالة فى الوقت الذى يؤكد فيه أصحاب الأعمال أنهم لايجيدون القوى العاملة المؤهلة .
ولذلك يركز برنامج بيسا على تقيم المعارف والمهارات لدى الطلاب . ويتبع في ذلك منهجية خاصةتهدف إلى قياس مدى قدرة الطلاب على تطبيق ما تعلموه بالمدرسة،و ما الذي يمكنهم استنتاجه مما يعرفونه وتطبيق معرفتهم بطرق جديدة فى حل المشكلات الغير متوقعة.
وفىتقييم 2009 تم تقييم 74 نظاما مدرسيا تمثل مَعاً 87 بالمائة من الاقتصاد. ويُظْهِرُهذا الرسم البياني مدى كفاءة الدول. فيلاحظ أن هناك فارقا يزيد عن ثلاث سنوات دراسية ونصف بين أطفال شنغهاي وأطفال الصين البالغ عمرهم 15 سنة ويزيد الفارق إلى سبع سنوات دراسية عند إضافة الدول ذات الأداء الضعيف جدا. هناك فارق كبير في الطريقة التي يتم إعداد الأطفال لاقتصادنا اليوم.
أما البُعْد الثاني : العدالة والإنصاف
فاالمعلمون يركزون على العدالة والإنصاف. ولذلك حاول برنامج بيسا تقييم ذلك من خلال التأكد من حصول أولائك الناس ذوي الخلفيات الاجتماعية المختلفةعلى فرص متساوية. ونلاحظ بأنه في بعض البلدان أن تأثير الخلقية الاجتماعية على النتائج الدراسية قوي. الفرص موزعة بشكل غير عادل. ويهدر قدر كبير من إمكانيات الأطفال . ويمكننا أن نتناقش حول هل من الأفضل أن نكون هناك حيث الكفاءة أقوى على حساب الفوارق الاجتماعية الكبيرة؟ أو هل علينا أن نركز على الإنصاف ونقبل بالرداءة؟ لكن في الحقيقة هناك الكثير من الدول التي تجمع بالفعل بين التفوق والإنصاف. في الواقع، واحد من أهم الدروس المستخلصةمن هذه المقارنة أنه ليس عليكم التضحية بالإنصاف من أجل بلوغ التفوق. لقد تجاوزت تلك الدول مرحلة توفير الإنصاف للبعض فقط إلى مرحلة توفير التفوق للجميع. وهو درس في غاية الأهمية. وهو أيضا تحدي للعديد من الأنظمة التعليمية التي تعتقد بأنها وُجِدَت من أجل نوعية محددة من الناس. ومنذ الإعلان عن تلك النتائجحاول صناع القرار والمدرسين والباحثين من جميع أنحاء العالم معرفة ما السر وراء نجاح تلك الأنظمة.
فنسبة الإنفاق على كل طالب لا تفسر سوى أقل من 20 % من تفاوت الكفاءة الموجودة بين البلدان. فلوكسمبورغ على سبيل المثال،تملك النظام الأكثر تكلفة ومع هذا لا تقوم بعمل جيد.
أما كوريا فتستثمر بشكل كبير في جذب أفضل العناصر لمهنة التعليم. كما أنها تستثمر في أيام ذات ساعات دراسية أطول مما يرفع من حجم التكلفة،ولكن لا يرغب الكوريون في مدرسين للتدريس فقط بل للتطوير أيضا. إنهم يستثمرون بالتطوير المهني والتعاون وفي أشياء أخرى عديدة. وكل ذلك مكلف ماليا. كيف يمكن لكوريا تحمل كل تلك التكاليف ؟ والجواب الطلاب فى كوريا يدرسون فى أقسام كبيرة.
أى أن لوكسمبورغ وكوريا تنفقان بنفس القدر على الطالب الواحد. لكن الأباء والمدرسين وصناع القرار بلوكسمبورغ يفضلون الأقسام الصغيرة. لكن حتى لوكسمبورج يمكنها الإنفاق فى أكثر من بند والمقابل لذلك هو أن أجور المدرسين لديها ليست بالجيدة، ولا يقضي الطلاب ساعات طويلة بالدراسة. بينما ليس لدى المدرسين وقت كاف للقيام بأشياء أخرى غير التدريس.فرغم أن بلدين ينفقان أموالهما بشكل جد مختلف، إلا أن كيفية إنفاق أموالهما هي في الواقع أكثر أهميةمن المقدار المالي المستثمر في التعليم.
فلنعد للعام 2000. نجد أن ألمانيا كانت تقبع بالربع السفلي من الرسم البياني، تحت متوسط الكفاءات وبفوارق اجتماعية كبيرة،ولكن أصبح التعليم هو المسيطر على النقاشات العامة بألمانيا، ورفعت الحكومة الاتحادية استثمارهابشكل مدهش في مجال التعليم. وقامت بالعديد من الإجراءات من أجل تحسين الفرص المعيشية للطلاب المنحدرين من أصول مهاجرةأو من طبقة اجتماعية مهمشة. والمثير في الحقيقة أن الأمر لم يتعلق فقط بإصلاح السياسات الموجودة، بل قامت المعطيات بتغيير بعض المعتقدات والنماذج التي شكلت أساس النظام التعليمي بألمانيا. . قام برنامج پيسا بتغيير هذا النقاشووضعت تعليم الأطفال الصغارفي مركز أولويات السياسة العامة بألمانيا.عا للتساؤل اليوم. الكثير من التغيير.
ساعد فحص وإصلاح شامل للنظام التعليمي البولندي من التقليل بشكل كبيرمن التفاوت بين المدارس، ومساعدة العديد من المدارس ضعيفة الكفاءة، والرفع من الكفاءة تزيد عن نصف سنة دراسية. ويمكنكم أن تلاحظوا أن بلدان أخرهي في نفس الوضعية.كانت البرتغال قادرة على تقويت نظامها التعليمي المشتت، والرفع من الجودة وتحسن الإنصاف، ونفس الشيء قامت به هنغاريا.
إذن تحسين النظام التعليمي لأى دولة ممكن . فبولندا لم تغير ثقافتها. لم تغير اقتصادها. لم تغير تركيبتها السكانية. لم تطرد مدرسيها. بل غيرت سياساتها وعاداتها التعليمية.
البعد الرابع : أن كل دولة لها خصوصيتها وأولوياتها
والسؤال الذي يطرح: ما الذي يمكن أن نتعلمه من البلدان التي حققت مستويات عالية من الإنصاف والكفاءة ورفعت من نتائجها؟ وبالطبع، السؤال هو،هل يمكن لتجربة نجحت في سياق معين أن تقدم نموذج يحتدى به للباقي؟ فبالطبع لا يمكن نسخ الأنظمة التعليمية، لكن هذه المقارنات فيما بينهاتعطينا فكرة عن القواسمالمشتركة بين الأنظمة العالية الكفاءة. الكل يجمع على أهمية التعليم. الكل يقول ذلك. لكن الاختبار الحقيقي هوكيف سنوازن بين هذه الأولوية وباقي الأولويات؟ كيف هي الأجور التي تدفعها الدول لمدرسيها بالمقارنة مع العاملين الأخرين من ذوي المهارات العالية؟
فالأنظمة التعليمية ذات الكفاءة العالية، قام قادة المجتمع بإقناع المواطنين باتخاذ اختيارات جعلت من التعليم قيمة مهمة لمستقبلهم.
لكن المراهنة على التعليم ليس سوى الوجه الأول من العملة. الوجه الثاني هو الإيمان بأن كل الأطفال قادرين على النجاح.لديكم مثلا بعض البلدان التي تفصل بين الطلاب منذ مراحل مبكرة من العمر. حيث يقسم الأطفال، الشيء الذي يعكس الاعتقاد بأن البعض فقط من الأطفال قادرين على بلوغ المعايير العالمية. لكن ذلك مرتبط في الواقع بالفوارق الاجتماعية القوية بالمجتمع. إن أنتم ذهبتم إلى الياپان في آسيا أو فنلندا بأوروبا، ستجدون أن الأباء والمدرسين بهذين البلدين يتوقعون أن كل طالب قادر على النجاح، ويمكنكم في الواقع ملاحظة أن تصرفاتهم تعكس ذلك الأمر. عندما سألنا الطلاب ما الذي يجعلكم تتفوقون بالرياضيات، أجاب طلاب أمريكا الشمالية، كل شيء متعلق بالموهبة إن لم أولد عبقريا في الرياضيات،فمن الأفضل لي أن أدرس شيئا أخر. بينما أجاب 9 من 10 طلاب ياپانيين بأن الأمر يتعلق بمدى تفاني ومدى الجهد الذي أبذله وهذا يقدم لكم فكرة عن طبيعةالنظام الذي يعيشون به.
في الماضي،كان يتم تدريس طلاب مختلفين بنفس الطرق. الكفاءات العاليةحسب برنامج پيسا تقبل بالتنوع مع ممارسات تربوية متميزة. أدركوا بأن الطلاب العاديين يملكون مواهب استثنائيةـ فقاموا بتعديل فرص التعلم.
ولا يوجد نظام تعلو فيه جودة التعليم عن جودة مدرسيه. فالأنظمة ذات الكفاءة العالية دقيقة جدا في كيفية توظيفها وانتقاءها لمدرسيها وكذا طريقة تكوينها لهم. فهي تبحث عن طريقة تمكنها من تحسين كفاءات المدرسين ضد الصعوبات التي يواجهونها.وعن طريقة لهيكلة أجور المدرسين. كما توفر المناخ المناسب الذي يمكن المدرسين من العمل معا لخلق ممارسات جيدة. وتوفر مسارات مهنية ذكية للمدرسين للتقدم في حياتهم المهنية.
في الأنظمة المدرسية البيروقراطية، غالبا ما يُتْرَكُ المدرسين بمفردهم بالأقسام مع الكثير من التوجيهات حول ما يجب تدريسه. تتمتع الأنظمة ذات الكفاءة العالية برؤية واضحةحول ماهية الكفاءة.وتضع معايير طموحة لتمكن مدرسيها من تحديد ما الذي يريدون تدريسه لطلابهم اليوم؟ كان التعليم فيما مضى يهتم بتقديم الحكمة.أصبح التحدي اليوم هو تمكين الفاعلين في التربية من تقديم تلك الحكمة. لقد انتقلت الكفاءات العالية من النماذج المهنية أو الإدارية التقليدية في مجال المسائلة والرقابة -- التي هي عبارة عن طرق للتأكد من أن الكل يقوم بما هو مطلوب منه -- إلى نماذج مهنية لتنظيم العمل. إنها تمكن مدرسيها من الابتكار التربوي. وتوفر لهم وسائل التنمية التي هم بحاجة إليها لخلق ممارسات تربوية قوية. كان الهدف فيما مضى توحيد المعايير أعطت الأنظمة ذات الكفاءة العالية مدرسين ومديري مدارس مبدعين. في الماضي كان تركيز السياسات منصب على النتائج وكيفية تحقيقها. بينما ساعدت الأنظمة ذات الكفاءة العالية المدرسين ومديري المدارس للانتباه إلى ما يقوم به المدرس وتقوم به المدرسة من حولهما.
وتبقى أكثر النتائج إدهاشا للأنظمة ذات الكفاءة العالية هي بلوغ النظام بأكمله الكفاءة العالية. فالنتائج الجيدة لفنلندا حسب برنامج بيسا لكن الشيء الذي يجعل فنلندا مدهشة للغاية هو أن 5 بالمائة فقط من التفاوت في الكفاءات بين الطلاب يعود للمدارس. كل المدارس ناجحة. حيث يأتي النجاح تلقائيا. فكيف يفعلون ذلك؟ باستثمارهم لمصادرهم حيث يمكنهم أن يخلقوا الفارق. يوظفون أقوى المديرين لأصعب المدارس وأمهر المدرسين لأكثر الأقسام تحديا.
وأخيرا وليس آخرا،إن هذه البلدان تضع سياسات تشمل كل مجالات السياسة العامة. ويجعلونها متماسكةلفترات طويلة من الوقت،ويتأكدون من أن برامجهم تطبق كما يجب.
معرفة ما تقوم به الأنظمة الناجحة لا يخبرناعن كيف يمكننا التحسن. فبرنامج بيسا لا يغامر بإملاء الطريق التي على البلدان اتباعها. لكن قوته تكمن في قدرته على إخبارها عما يفعله الأخرون. وبرنامج پيساهو دليل على أنه بإمكان المعطيات أن تكون أقوى من المراقبة الإدارية للإعانة المالية التي عادة ما نسير بهاالأنظمة التعليمية.
يقول بعض الأشخاص بأن تغيير الإدارة التعليمية هو كتحريك المقابر. لكن برنامج پيسا ساعد البلدان على إدراك أن التحسن ممكن . منع المتقاعسين من إيجاد الأعذار. وساعد البلدان لتحدد أهدافهابحيث تكون قابلة للقياس إن استطعنا جعل كل طفل وكل مدرس وكل مدرسة وكل مدير وكل ولي أمر يدرك بأن التحسن ممكن، أنه لا حدود لإمكانات تحسين بالتعليم من أجل حياة أفضل.
للمزيد :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق