الاثنين، 16 أبريل 2018

أثر اجتهادات الفقهاء بتغير الزمان والمكان


رغم تحريّ الفقهاء طرق الوصول للحقيقة، يثار تساؤلا هاما:
هل يتأثر الفقهاء بالبيئة التي حولهم وتشكّلت بناءً عليها استنباطاتهم؟
وإذا سلّمنا بتأثرهم بالبيئة الطبيعية، فهل كان تراثهم الفقهي نتاج هذا التأثّر؟ وبمعنى آخر أقرب للمقصود، هل يحق لمن بعدهم أن يراعي تأثير البيئة في فقههم ويفصل بين ما كان نتاجاً من طبيعة البيئة ومؤثراتها فيعيد النظر فيه، وما كان من النص الثابت بالوحي فيجب البقاء عليه؟
إن فهم النص الديني وعلاقة الاجتهاد الفقهي بالبيئة الطبيعية التي عاشها الفقهاء،يضعنا أمام عددا من الحقائق الهامة :
أولاً: هناك علاقة قوية بين صناعة الأفكار ومصانع البيئة والطبيعة، وعلاقة اكثر قوة بين الأخلاق الراسخة والموروثة ومنتجات الأفكار.
ثانياً: عندما نُسقط تفاعل الإنسان ببيئته على المجال التشريعي، نجد أنواعاً من العلاقات التي توضّح مدى تأثر الفقيه بالبيئة المحيطة.
فالفقيه المفتي يجب عليه اعتبار تغير الزمان والمكان والحال في فتواه التي هي إسقاطٌ حكمي على حالة معينة مشخّصة تتطلب من المفتي اعتبار المحيط البيئي للمستفتي قبل الإجابة عن سؤاله، وقد قرر ذلك عدد من العلماء، كابن القيم الذي عقد فصلاً في تغير الفتوى واختلافها وفق تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد.
ثالثاً: الوجه الآخر من تأثير البيئة في اجتهاد الفقهاء، وهو النوع الصامت الذي لا يُعلن عنه، ولكنه يطرح التساؤل حول اختلاف الموقف من بعض القضايا وفق المكان والحال. فالكل يعلم أن الإمام الشافعي كان له فقه في العراق معروف، فلما استقر بمصر بدا له رأي آخر وتغيرت بعض اجتهاداته.
رابعا : لو رجعنا لحالة التشدد والغلو في الخطاب الديني والتصنيف الفقهي وسبب بروزه في بعض البيئات من دون بعضها الآخر، لربما قادتنا الأسباب ذات في اعتبار دور البيئة في صناعة الفقه المتشدد وتناميه، فالبيئة المتعددة التي تلاقحت فيها الثقافات وتنوعت، وتعارفت فيها اللغات والحضارات، بيئةٌ لا يمكن أن تكون خصبةً للرأي الواحد والفقه القطعي والتعصب على الموروث بلونه الصامد لعقود من الزمن، لهذا كانت بيئة الصحراء ومناطق شظف العيش والبعد من الحواضر المتعددة الثقافات، مُسهمة بشكل كبير في خلق الآراء المغالية أكثر من غيرها، سواء في التشدد، أو في المفاصلة مع المخالف والميل للقطعي في العقيدة والشريعة.
إن العاصم من هذا الجنوح باسم الشريعة هو العودة لمقاصد الشريعة وتحقيق أهدافها، لأن الفقيه لا يصادم نصاً صريحاً أو إجماعاً قطعياً .بحيث لا يخرج فى اجتهاده عن الأهداف الغائية التي قامت عليها الشريعة من جلب المصلحة ودرء المفسدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق