السبت، 26 نوفمبر 2016

كتاب القرية : كيف أثر فى حياة الفقيه الدستورى يحى الجمل رحمه الله




قصة الريال والشيخ والفلكة
ذهب الفتى إلى طنطا مع أخيه ليكمل حفظ القرآن فى كُتَّاب الشيخ عبد الحميد قشطة ذى الشهرة الواسعة فى الصرامة والقسوة.. وتزايد قدر ما يحفظه من القرآن الكريم يوماً بعد يوم، وعرف عنه بين لدته سرعة الحفظ وحسن الإلقاء، وكان الشيخ فخوراً به .. وكان والده هو الذى يشعره برضا الشيخ عنه وكان مظهر ذلك أن يعيطيه – دون أن يعلم أخوه الكبير – عشرة قروش كاملة لا دخل لها بمصروفهما الذى كان يتصرف فيه الأخ الأكبر بطبيعة الحال .. ولا يذكر الفتى تلك المناسبة السعيدة أو التعسة التى جعلت والده يعطيه ذات مرة "ريالاً" صحيحاً من الفضة .. وظل الريال فى جيبه أياماً لا تمتد إليه يده إلا لكى تطمئن عليه.

وفى يوم من الأيام والفتى فى الكُتَّاب يستظهر بعض آيات القرآن الكريم، إذ به يضع يده فى جيبه ليجد أن رياله قد ضاع، ويبحث مرة ومرة دون جدوى ويحاول أن يخفى ما ألم به من اضطراب شديد ولكنه لا يستطيع إلى ذلك من سبيل، ويلاحظ الشيخ أن تلميذه تصدر عنه حركات غير عادية وأنه قد انصرف عن مصحفه، وأن رأسه قد توقف عن الاهتزاز الذى يصاحب عملية القراءة، وأنه يضع يده فى جيبه ثم يخرجها ليضعها مرة ثانية، وأنه يدير رأسه تحت "التختة"، وأن أمره كله ينبئ عن أن شيئاً غير طبيعى قد حدث، ويقترب منه الشيخ بطوله الفارع المخيف ورائحة "النشوق" تفوح منه ليسأله عما به، وينكر الفتى أن شيئاً قد حدث، ويحاول جاهداً أن يسترد ما فقد من هدوء، ولكن الشيخ لا يجوز عليه شيء من ذلك ويعنف الفتى ويشده من يده شدة كادت ذراعه الصغيرة أن تنخلع لها، ولا يملك التلميذ إلا أن يعترف لشيخه بالكارثة التى وقعت وبأن "الريال" الذى أعطاه له والده قد ضاع وأنه قد ضاع فى الكُتَّاب لأنه تحسسه أكثر من مرة منذ الصباح.

ويأخذه الشيخ من يده والفتى يرتعد ولا يعرف ماذا ينتظره إلى أن ذهب به الشيخ إلى المكان الذى توجد به "الفلكة" حيث أمر به فوضعت رجلاه فيها وضربه الشيخ ضرباً موجعاً .. إلا أنه لم يستطيع أن يدرك حتى يومه هذا لماذا ضربه الشيخ وما الذى جناه ليستحق عليه العقاب، لقد كان به من ألم ضياع "الريال" ما يكفيه ولكن ذلك لم يكف الشيخ فمده فى "الفلكة" لأول مرة فى حياته، ولكنها على أية حال لم تكن آخر مرة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق