السبت، 26 يناير 2013

علاقة علم الأعصاب بأساليب تعلم القراءة Relationship neuroscience methods of learning to read




ان صعوبة  اجادة القراءة ناتج عن حقيقة أن طريقة التدريس تناقض متطلبات آلية عمل الدماغ .  ورغم ماأشارت إليه نتائج الدراسات فى علم الأعصاب من أن  عدم فعالية أساليب تعلم القراءة ،  ترجع إلى عدم الربط  بين القوانين التي تحكم عمل الدماغ البشري وطريقة التعلم ؟  هذا ماتوصل إليه أحد علماء الأعصاب بعد أن قرأ نتائج التقييمات التي يقوم بها مركز التقييم المستقبلي في فرنسا للتلاميذ المؤهلين للدخول الى مرحلة التعليم المتوسط. فالإحصائيات تشير إلى أن من  12 الى 15 % لا يعرفون القراءة و 50 % يعرفون التهجئة ولا يعرفون معنى الكلمات. اذن 65 % مهددون بترك المدارس . وهذا مايؤكد العلاقة بين عمل الدماغ وإنتاج الأفكار .

وهذا ماأكده  أيضا " ف. غريك " الحائز على جائزة " نوبل " في الفيزيولوجيا والطب عندما قام برصد ما يجري داخل الدماغ من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والتصوير الطبقي المحوري وبهذا تمكن  من معرفة  آلية عمل الدماغ الحقيقي وليس مجرد الناتج عن فرضيات أو توقعات. ومن هذه المعلومات تمكن العلماء من فهم  عملية ترجمة   الرموز المكتوبة الى لغة شفهية و قراءتها .


  آلية عمل  الدماغ  أثناء القراءة 

ان ما فتح الطريق أمام علم الأعصاب الحديث هو اكتشاف "ر. و. سبيري" الحائز على جائزة "نوبل"  عن كيفية عمل نصفى  المخ  الأيمن والأيسر. ففي ميدان اللغة المكتوبة برهن أن الرمز الكتابي لا يمكن اعتباره صورة. وهذا له أهمية كبيرة في ميدان التربية: أي أن الدماغ يميز بين حقيقتين مختلفتين من الرموز الشكلية : فمنها ما يعود الى المحيط وهي الصور (الطاولة، المنزل، الرجل...) وأشكال أخرى لا يمكن اكتشافها دفعة واحدة لأنها تستدعي العودة الى ما تعلمه المرء لمعرفة معناها. وهذه هي الأشكال التي تمثل أصواتا (الأحرف، النوتة الموسيقية). وهناك عنصر أساسي آخر وهو أن الصور يتم معالجتها في نصف المخ الأيمن بينما الأشكال التي تحمل معان صوتية فتتم معالجتها في نصف المخ الأيسر والذي يعمل تبعاً لتتابع من التحليلات والتركيبات.  

بعد تمييز الدماغ للأشكال الكتابية تصبح هذه الأشكال مدركات نظرية. ولكن كيف يحولها الدماغ الى لغة شفاهية؟
علينا التنبه الى أن ما سوف نعرضه الآن يتم بشكل متزامن، ولكن شرحه سوف يكون بعمليات متتابعة: ان الدماغ يعالج هذه العمليات بطريقة نشطة لأن الدماغ هو مجموعة دوائر عصبية نشطة تنفذ عملياتها بشكل متزامن كليا.
وفي جميع اللغات، القراءة هي أن ينجح القارىء في ربط الرموز الشكلية بعناصر اللغة المحكية التي تمثلها هذه الرموز وأن يعطي معنىً لهذا المجموع من المعطيات الموجودة في الذاكرة ومن ثم تتكامل مع المجموعات الدلالية الأكثر تعقيداً والتي تشكل الكلمة ومن ثم مجموعات الكلام :  الجمل والنصوص.
القراءة تشتمل على أربع مراحل متشابكة، حيث أن الدراسات في العشرين سنة الأخيرة قد تركزت عليها وخاصة نتائج  التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي و التي أعطت براهين قطعية لا يمكن مناقشتها:
1 – تقطيع اللغة الشفهية الى وحدات صوتية أساسية : الصوتم.
2 – تقطيع اللغة المكتوبة الى وحدات رسمية :  الروسم للغات الصوتية وأشكال الفكرة للغات الأخرى مثل الصينية حيث الروسم يمثل فكرة وليس صوتا.
3 – التوازن بين الصوتم والروسم أو بين الصوتم ورسم الفكرة.
4 – اكتشاف معنى هذه التجمعات، فهمها ووضعها في الذاكرة لاستخدامها في معنى الوحدات الرسمية والجمل والنصوص.
وسنوضح العناصر الهامة للفهم الجيد لمجموعة ما والآليات ونتائجها التربوية.

☼ - تقطيع السلسلة الصوتية لوحدات بسيطة للغة:

حالياً لا يوجد أدنى شك لدى علماء فيزيولوجية الأعصاب أن القراءة تستوجب فك رموز مختلف الصواتم في أية لغة وربطها بالرواسم المتصلة بها حتى نتمكن من فهم اللغة المكتوبة.
وقد كتبت الباحثة الأمريكية "سالي شوفيتز" "الصوتم، المقطع الأصغر في اللغة، هو العنصر الأساسي في النظام اللغوي... الكلمات لا تُتميز وتُفهم وتُخزن أو يُعاد ايجادها في الذاكرة الا بعد أن تكون قد جُزئت لصواتم بواسطة المقياس الصوتي الدماغي".
ان من يقرأ عليه أن يحول الاشارات المرئية للكتابة الألفبائية الى اشارات لغوية ، أي فك رموز الرواسم وترميزها بصواتم لها، أي لكل روسم صوتم خاص به. وهكذا، يكون على القراء المبتدئين أن يميزوا أولاً البنية الصوتمية للكلمات المحكية، ثم عليهم أن يفهموا أن الكتابة ما هي الا مرحلة رسم الأحرف الموجودة على الصفحة والتي تمثل الكلمات.
أى  أن الدماغ الانساني يكون منذ الولادة قادراً على تمييز الأصوات التي ترتبط بأصوات اللغة الأم.
ان المقياس الصوتمي للدماغ يتألف من مجموعة بنى ودوائر مخصصة لتحليل الوحدات الصوتية للغة. لنتذكر هنا أن الوحدة الصوتية للغات الألفبائية هو الصوت (أحرف أو مجموعات أحرف تمثل صوتاً). وبالعكس بالنسبة للغات الروسمية (أي تعتمد الرسم)، مثل اليابانية، فالفكرة هي التي تشكل الوحدة الصوتية البسيطة. الفرق بين اللغتين هو بكيفية الربط بين الصوت والرسم.ففي اللغات الصوتية هذا التآلف يحصل على مستوى الصوتم أما في اللغات الروسمية فيحصل على مستوى الفكرة .

☼ - تقطيع السلسلة الشفاهية للصواتم 

 وقد دُرست للتعرف على كيفية حصول التمييز الصوتي . وكشفت عن الدور الأساسي لتمييز الصواتم في تعلم القراءة . وهذه المعرفة قد تعززت كثيراُ في الفترة الأخيرة بفضل ملاحظة كيفية عمل الدماغ عند المصابين بصعوبات في القراءة وذلك بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. نحن نعلم من الآن فصاعداً كم هي المناطق الدماغية التي تشارك في عمل التقطيع الصوتمي وفي وضع المعلومات الصوتية في الذاكرة، وكم هو الوقت المستغرق لمعالجتها بالرسم. لقد برزت مباشرة خيوط عديدة في العلاقة بين البنية التشريحية لهذه المناطق وبين خاصية القراءة.
هذا التقطيع للغة الى صواتم لا يحصل بنفس الطريقة عند الجميع. هناك دراسات أجريت على قدرة  الدماغ على التمييز السمعي للصواتم، أظهرت أنه بحاجة الى أقل من عشرين مللي ثانية حتى يميز صوتاً عن آخر. وبالعكس عند الذين لا يقرأون بشكل جيد يحتاجون الى 300 مللي ثانية للتمكن من هذا التمييز.

☼ - تقطيع السلسلة المكتوبة لوحدات رسموية بسيطة : 

حيث أن اللغة المحكية تقطع الى وحدات صوتية بسيطة، وجب أن تحمل اللغة المكتوبة رموزاً تمثل الوحدات الصوتية حتى تتحقق الصلة بين هذين النوعين من العبارة اللغوية (الشفاهي والكتابي). ولكي يصل القارىء الشكل بالصوت الذي يمثله، عليه أن تكون لديه القدرة على التمييز وبشكل دقيق بين الأشكال التي تؤلف هذا الرمز. ان تمييز الأشكال التي تمثل الحروف تحصل أيضاً في النصف الأيسر من الدماغ. وهذا التمييز لا يحصل الا بمساعدة من النصف الأيمن الذي يملك مناطق مختصة بالتوجيه الى حيث توجد الأشكال التي جرى تمييزها من قبل. وهذا يعني أنه بقدر ما تُبسّط التربية (عبر طريقة التعليم) الوصول الى معرفة أشكال الحروف بقدر ما تسهل عملية تمييزها واستحضارها في الدماغ.

☼ - اجتماع الصوتم-الروسم وفهم الكلمات والجمل :

ان الهدف من الجمع بين الصوتم الروسم هو استبدال الترميز الكتابي بالترميز الكلامي، وأن يتيح تكامل هذه العناصر في مجموعات دلالية أكبر فأكبر.
 وهذا من اختصاص مناطق معينة من القشرة المخية  من خلال ما تقوم به: إذ يعيد بعضها تجميع الخلايا العصبية المسؤولة عن معالجة الكلمات المحسوسة، وبعضها الآخر المسؤولة عن الكلمات المجردة. ويوجد أيضاً مناطق مكلفة بمعالجة الكلمات المرتبطة بالحقل المعجمي التي تنتمي اليه. وهناك مناطق دماغية تؤدي في نفس الوقت مهمات بسيطة جداً وأخرى شديدة التعقيد. وبذلك  فإن حل الطلاسم والفهم هما عمليتان لا يمكن فصلهما عصبيا. ان اكتشاف شكل الحرف ومعناه الصوتي وتجميع الأحرف في كلمات ومعنى هذه الكلمات وتكامل هذه الكلمات في مجموعات أكثر وأكثر تعقيداً في المجال الدلالي والنحوي يتم بعد عمليات عديدة من التحليل والتركيب والمقارنة الثابتة مع المعلومات الموضوعة في الذاكرة كما وفي المجال المورفولوجي والصوتي أيضا. ولكن من البديهي أن المقياس التناسبي العالي للدماغ سوف لا يتمكن من العمل الا بواسطة المعطيات التي ستصله من المقياس التناسبي الصوتمي؛ وكل خطأ في هذا المستوى سوف يقطع عمله حتما. ومن جهة أخرى فان معنى الكلمة المكتوبة لن يوجد الا اذا سبق للدماغ معرفته وتم تخزينه في الذاكرة. ان فهم المكتوب (أي القراءة) مرتبط اذن وبشكل مباشر بفهم اللغة المحكية الذي تسبق تعلم القراءة.
وأخيراً لا بد من أن نعطي نظرة محددة عن العمليات التي تتدخل في فهم المكتوب (أي القراءة) ومنها "تركيز النظر". وهذه عملية معقدة جداً على الصعيد العصبي، تقوم على تركيز القسم الأكثر تمييزاً من الشبكية على الهدف المراد رؤيته حتى يصل الادراك الى قمة الدقة.
يبقي القارىء العين مركزة على الكلمة المراد قراءتها خلال أقل من 300 ميللي ثانية. خلال هذا الوقت يجب أن تصدر معلومة من الكلمة التي تم التركيز عليها حتى تتم قيادة العين الى كلمة أخرى. فمعرفة الرموز المكتوبة هي التي تحدد سرعة الانتقال من رمز الى آخر ومن كلمة الى أخرى. كما وأنه يوجد مجموعات عصبية مهمتها اعادة النظر الى الوراء في حال لم يتم الفهم. من هنا نرى أهمية الصلة بين الروسم والصوتم.
علينا أن نوضح أيضاً أنه اذا كان الوقت المبذول لتفكيك الرموز أكثر من العادي فهذا يؤدي الى نسيان الرموز السابقة وهذا ما يؤدي بالتالي الى عدم فهم الكلمة أو مجموعة الكلمات المقروءة. 

ماذا يحصل للقارىء الذي يقترف أخطاء في الجمع بين الروسم والصوتم ؟

حيث أنه لا يمكن استخلاص معلومة صحيحة من جزء من الكلمة أو من الكلمة المقروءة بمفردها، عندها تأتي المجموعة العصبية وتعيق القراءة الى حين استخلاص معلومة ما؛ فتسمح بمتابعة القراءة. ولكن في حال عدم تمكن المعالجة الصوتمية من معرفة التزاوج بين الشكل والصوت ومن ثم المعنى، لنا أن نتساءل ان كانت هذه الضرورة الفيزيولوجية هي التي قادت القارىء الى عدم امكانيته على طرح "احتمالات للمعنى" حتى يتمكن من متابعة القراءة !

للمزيد :




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق