إن ارتفاع كلفة التعليم العالي عامة وشاملة لدول العالم ، فالمواطن العادي في الولايات المتحدة الأمريكية، صاحب أعلى دخل فردي وأعلى ناتج قومي، يعاني من ارتفاع أقساط الجامعات، عامة كانت أم خاصة. ففي الجامعات الحكومية يصل معدل القسط السنوي للطالب غير المقيم في الولاية التي توجد فيها الجامعة إلى أكثر من 5 آلاف دولار، وبعد إضافة بدل النقل والسكن وثمن الكتب والأكل إلى نحو 15 ألف دولار. أما في الجامعات الخاصة فقد يصل معدل الأقساط السنوية إلى 30 ألف دولار، وأكثر من ذلك لبعض الاختصاصات في الجامعات الكبيرة. بحيث إن تخرج طبيب اختصاصي من جامعة مرموقة بات يكلِّف الطالب ما بين 300 ألف و400 ألف دولار!!
تكاليف التعليم العالى فى ضوء الأزمة المالية
إن ما كان يخفف عبء الاستدانة على الطلاب هو أن مجالات العمل كانت واسعة أمام المتخرجين وبأجور مرتفعة قبل الأزمة المالية العالمية، إلا أن الأمر لم يعد كذلك بعدها. فبات التعليم أكثر كلفة والمساعدات إلى شح وفرص العمل إلى تضاؤل. وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن كلفة التعليم العالي في الجامعات العامة الأمريكية ارتفعت العام الماضي بما يتراوح بين 4.5 و%6.5. وهي مرشحة لمزيد من الارتفاع بسبب التضخم. كذلك ارتفعت رسوم التسجيل في المعاهد التي تستغرق الدراسة فيها عامين بنسبة %4.7، أما معدل القسط السنوي في الجامعات الخاصة فارتفع إلى 25 ألف دولار.
وستكون لهذا الواقع، مع تراجع ما تتلقاه الجامعات من مساعدات حكومية، وتراجع أموالها الخاصة نتيجة الأزمة، تداعيات سلبية على المساعدات التي تعطيها لطلابها، بما فيها أكبر الجامعات، خصوصاً وأن الزيادة غير متناسقة بين أعداد الطلاب وطالبي المساعدة.
هذه الحال من تراجع القدرة المالية ليست ظاهرة أمريكية فقط، بل إنها تطال الدول الأوروبية التي تعيش أوضاعاً مماثلة، وبدأت تداعياتها على المساعدات الجامعية. علماً بأن معظم الحكومات الأوروبية تدعم التعليم الجامعي الرسمي مباشرة وتؤمِّن قروضاً مدعومة للطلاب. كما تطال الدول العربية غير النفطية حيث كلفة التعليم العالي مرتفعة أصلاً، باستثناء التعليم الجامعي الحكومي، وحيث مستوى الأجور متدنٍ وإمكانات المساعدة تتضاءل. وقد أدى ارتفاع الأقساط وانكماش المساعدات لا سيما بعد الأزمة، إلى تسرب من التعليم الجامعي إلى التعليم المهني الأقل كلفة، لكن المشكلة في الدول العربية تكمن في قلة فرص العمل في الصناعة والتكنولوجيا.
وفي هذا السياق يُذكر أن عدداً من الدول الآسيوية التي تُعد أقل إنفاقاً على التعليم، تمكنت من تنويع خدماتها التعليمية. ونجحت تايلاند والصين على سبيل المثال، في إرساء نظام تعليمي عن بعد يناسب حاجاتهما ويستوعب الطلب الاجتماعي المتزايد على خدمات التعليم ويحقق متطلبات سوق العمل.
أما فيما يتعلق بالدول العربية، فيُخشى أن تشكِّل هذه المعطيات عوامل مشجِّعة على هجرة الشباب، لا سيما هجرة الأدمغة. ومن أسباب الهجرة، ضيق سوق العمل، أو عدم انسجام الدخل مع ما أنفقه الطلاب من وقت ومال لتحصيل العلم، أو ظروف اجتماعية يعدونها غير ملائمة لمكانتهم العلمية ولطموحاتهم في تحقيق ذواتهم أو أو.. فتخسر خيرة كفاءاتها الشابة التي تهاجر إلى أمريكا وأوروبا وكندا حيث تتوافر القدرة على استيعابها في فرص عمل مجزية، وحيث التسهيلات الاجتماعية وإمكانات البحث العلمي الخ... وتفيد الإحصاءات أنه رغم تقنين هذه الدول هجرة الشباب العرب إليها، فإنها تستقبل كل عام عشرات الألوف من العلماء والمهندسين والأطباء والخبراء من لبنان وسورية والعراق والأردن ومصر وتونس والمغرب والجزائر، وأن %70 من العلماء يسافرون هجرة نهائية، وأن %45 من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا تستقطب نحو %75 من العقول العربية المهاجرة.
وعلى صعيد آخر، يرخي ارتفاع تكلفة التعليم العالي بظلاله على كلفة الخدمات التي يقدِّمها الخريجون عند التحاقهم بسوق العمل.
للمزيد :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق