التحدى الذى خاضته اليابان عقب الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية ليس التحدى الأوحد فى تاريخها الحديث، فقد مرت بفترات تقترب من هذا المستوى من الصعوبة والضغط، لعل منها فترة التحول الكبيرة التى بدأت من إصلاحات ميجى، وهو الإمبراطور الشاب “ميتسوهيتو ميجى”، الذى جاء بعد مرحلة طويلة من التراجع والفساد وتفكك أوصال الدولة، ليُحدث إصلاحات عديدة على المستويات السياسية والإدارية والعلمية، ما زالت آثارها قائمة حتى الآن.
ضمن آثار فترة “ميجى” وإصلاحاته، تبرز هذه الحكاية، فبعد هزيمة قوات الحاكم العسكرى لليابان “شوجون”، عانت اليابان من الدمار، وقدمت مقاطعة مينيياما المجاورة لها المساعدات، من خلال إرسال ١٠٠ كيس أرز للإغاثة العاجلة ، وكان كوباياشى توراسابورو مستشارا كبيرًا، وذلك فى العام ١٨٦٨ وحتى ١٨٧٧ – وهو درجة أقرب إلى نائب محافظ فى الوقت الحالى – وكان تابعا لـ “ساكوما شوزان”، المفكر المتخصص فى العلوم العسكرية، كما كان يدير مدرسة فى معبد “بناجاؤكا” لتعليم الشباب الموهوبين.
الدروس المستفادة من قصة الـ ١٠٠ كيس أرز
اقترح “توراسابورو” ضرورة ألا يتم استهلاك الأرز مباشرة ، رغم الحاجة إلى سدّ الجوع الذى كان يشعر به الناس ، ولكن رأى أن هناك ضرورة أكبر بدلاً من ذلك، وهى بيع الأرز واستثمار إيراداته فى التعليم المدرسى، ونظر إلى الأمر على أنه استثمار فى “التعليم والتكنولوجيا” القادرين على التعامل مع الحاجات المتغيرة فى عصرهم.
أما بالنسبة لمن طالبوا باستهلاك الأرز، تلبية للاحتياجات الفورية للجائعين، فقد شرح “توراسابورو” لهم أهمية التعليم ، قائلاً إن الـ ١٠٠ كيس من الأرز ستجنى أضعافا مضاعفة من الأرباح مستقبلاً، إذا استُثمرت بصورة مناسبة ، وأصبحت هذه القصة مشهورة جدًّا بعد أن كتب “ياماموتو يوزو” مسرحية مستوحاة منها، عُرضت فى مسرح كابوكيزا عام ١٩٤٣، خلال الحرب العالمية الثانية،وبعد أن أشار رئيس الوزراء اليابانى، كويزومى جونئيتشيرو، إلى هذه القصة فى خطاب له عام ٢٠٠١، والذى أدّى إلى إحياء العبرة منها، وتوارثت الأجيال هذه القصة من جيل إلى آخر، وخاصة مع جاذبيتها التى تنسجم مع روح المجتمع اليابانى ، وتكمن فى تبجيل المعرفة التى يمتلكها الشرق ، وفى الطريقة التى ظهرت وجسّدت المُثل العليا لسنوات الثورة فى فترة إصلاحات ميجى، عندما بُنيت أسس الدولة الجديدة على التعليم والمعرفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق