وجدت جملة قالها عالم الاجتماع الفرنسي (بيير بورديو) في إحدى مقالاته الأكاديمية : "كي يغير العالم ؛ يحتاج المرء إلى تغيير الطريقة التي يصنع بها العالم . هذه هي الرؤية والممارسة العملية التي يتم عبرها إنتاج وإعادة إنتاج الجماعات ".
هذه المقولة لبورديو تعكس إحدى مفاهيمه الأساسية التي قدمها إلى علم الاجتماع ، وهو مفهوم (إعادة الإنتاج). ويعتبر بيير بورديو (1930-2002)، ومنذ نهاية الستينات قامة من أهم القامات الفرنسية والعالمية في علم الاجتماع، بجانب (دوركهايم) و (ميشيل فوكو).
قام بورديو بكتابة أكثر من ثلاثين كتاباً إلى جانب مئات المقالات العلمية. أكثر ما ميز بورديو هو اشتغاله على مفاهيم تجريبية حيوية يأخذها من الشارع ومن الثقافة الحية بين الناس، ويسائل عبرها ويختبر الأذواق الاستهلاكية والثقافية ، وأنماط الهيمنة ، ومنطق العلاقات في الحقول الاجتماعية. بينما الجانب الآخر من بورديو تمثل في صعوبة لغته العلمية، ومفاهيمه التي قد تكون جديدة وخاصة به في هذا الحقل.
وكان بورديو يرى نفسه كباحث تجريبي يزاوج بين النظرية والتطبيق التجريبي، فهو يرى أن (التجريب) أساس البحث العلمي. ومن أهم المفاهيم السوسيولوجية التي قدمها بورديو: رأس المال الثقافي ؛ العنف الرمزي ؛ نظام الاستعدادات والقيم أو الطبع (الهابيتوس)؛ الحقل أو المجال ؛ إعادة الإنتاج..
(إعادة الإنتاج: في سبيل نظرية عامة لنسق التعليم) هذا عنوان كتاب لبورديو كتبه بالاشتراك مع جان كلود باسرون (المنظمة العربية للترجمة 2007). في هذا الكتاب يقف بورديو ضد التفسير البنيوي للمجتمع ، ويذهب إلى ما بعد التفسير البنيوي للنسق الاجتماعي باعتبار أن هناك عملية إعادة إنتاج ذاتي من قبل النسق لنفسه ؛ ففي عملية دائرية يعيد النسق بناء نفسه وينتج كامل أدواره.. ويتركز هذا العمل حول (نسق التعليم) باعتبار أن المؤسسة التعليمية تحتكر التلقين الشرعي، ولديها رتابة عمل هي غاية في التنميط ، وفيها " يغلب الجهل المعرفة
والتبني السؤال !!"، وتنتج فيها خصائص لسانية تميز الأساتذة والمؤسسات عموماً ، مثل التقليد والتكرار والرتابة وترسيخ القوالب الجاهزة... ويرى أيضاً أن التأسيس الاجتماعي إنما ينطلق من الحقل المدرسي الذي ينتج التفاوتات والاختلافات الاجتماعية.. دراسات إعادة الإنتاج قد طبقها بورديو على المجتمعات الغربية الرأسمالية ، وتطبيق مثل هذه الدراسات لدينا يحتاج بالطبع إلى أبحاث تجريبية تتثبت من صحتها في هذا الواقع. لكن ما نستطيع أن نقف عنده هنا هو مسألة
" استقلال النسق " وبناءه الذاتي لنفسه. فإذا كان " نسق التعليم " يضمر إعادة إنتاج ، فهو إذن ينزع إلى إعادة إنتاج لنفسه بمعزل عن المتغيرات الثقافية التي تطرأ.
وهنا يمكن القول أن العملية التعليمية تتحول إلى معرقلة ومعيق ة، حين تنقطع عن مسايرة التحول الثقافي الذي ينتج من واقع أو قاع سوسيولوجي ينتمي له المجتمع.
الكتاب على الرابط التالى:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق