الصفحات

الخميس، 24 ديسمبر 2015

لماذا تراجع دور الوقف في دعم ‫#‏التعليم_العالي‬ في مصر ؟ Why the decline in the role of endowment support higher education in Egypt?




لماذا تراجع دور الوقف في دعم ‫#‏التعليم_العالي‬ في مصر ؟
الوقف كان ومازال هو الأساس لنهضة التعليم وتطوره واستمراره، لذلك يمكن القول إن هناك علاقة طردية تربط بين الوقف من جانب والتعليم من الجانب الآخر، فإذا تطور الوقف وازداد نهض التعليم وتقدم، والعكس بالعكس، بحيث يستطيع الباحث أن يرصد حركة التعليم في العالم من هذا المنظور سواء على مستوى تصنيف الجامعات العالمية ، أو على مستوى قدرة هذه الجامعات على المساهمة في تحقيق تنمية مجتمعاتها والنهوض بها، ومن الناحية التاريخية استفادت الحضارة الإسلامية من الوقف في بناء صرحها التعليمي بشكل غير مسبوق في تاريخ الجماعات البشرية، وتم بناء المؤسسات التعليمية الرئيسية باستخدام موسع للصيغ الوقفية ، أما الشواهد المعاصرة فهي كثيرة كذلك حيث يحتل القطاع التطوعي وعلى رأسه المؤسسات التعليمية الوقفية حيزا مهما ومؤثرا في الحياة العلمية في الغرب بشكل عام وفي الولايات المتحدة الأميركية بالتحديد التي يتجاوز عدد جامعاتها الوقفية 1600 جامعة.

وفى مصر ، يعد الوقف المخصص للتعليم والبحث العلمي من أعرق صور الصدقات الجارية في العالم الإسلامي، فما أكثر المدارس في مصر والشام وفارس وأصفهان التي شيدها الواقفون لنشر العلم بين أفراد الأمة، دون أدنى تمييز جنسي أو طبقي أو ملي بين طلابها والقائمين عليها، وتعد حديقة الصحابي قيسبة بن كلثوم أولى أشكال الوقف التعليمي، فقد أوقفها صاحبها لتقام عليها أول مدرسة إسلامية في مصر ملحقة بجامع عمرو بن العاص، تلك التي كانت تجمع بين العلوم الشرعية وعلوم اللغة والحساب ثم أدرجت بعد ذلك علوم الزراعة والطب في مناهجها، وقد دافع الفقيه المصري الليث بن سعد عن حجية الوقف، وبين أنه غير مرهون بحياة الواقف، وقد أدرك سلاطين المماليك أن وجودهم وتوطيد أركان ملكهم في مصر لا يمكن اعتماده على القوة وحدها، فراحوا يوقفون الأموال للأزهر بغرض البحث والدرس وإنشاء المعاهد العلمية الطبية (البيمارستانات) ليتخرج فيها جيلاً من المتعلمين والعلماء يدينون بالفضل والولاء للسلطان والحكومة، وكان ذلك أول استثمار سياسي لصالح طبقة المستنيرين (قادة الرأي) الأمر الذي جعل من مصر في هذه الحقبة مقصد الدارسين وقبلة الطالبين ومنارة للعلماء نساء ورجال،وقد سار كبار التجار على اختلاف جنسياتهم ومللهم على نفس الدرب، فراحوا يوقفون الأوقاف لبناء المدارس والإنفاق على طلابها والمشتغلين بها 
واجتهد علي مبارك في تنظيم الكتاتيب الأهلية والمدارس الوقفية في المدن والريف، وذلك من خلال ديوان المكاتب الأهلية عام 1871م، وتبدو أهمية الوقف التعليمي وقوة تأثيره في المجتمع المصري خلال هذه الحقبة في عدد خريجي هذه الكتاتيب الذي بلغ أكثر من 20 ألف طالباً من الجنسين في عام 1887م.

وجدير بنا في هذا المقام الإشادة بدور الوقف التعليمي في إنشاء أول مدرسة داخلية لتعليم العميان والخرس ورعايتهم صحياً واجتماعياً وتزويدهم بالكتب المطبوعة بطريقة (برايل)، وتدريبهم على الأشغال الفنية والحرف اليدوية والإنفاق عليهم (مصروف شخصي)، وذلك من عام 1874م إلى 1889م.
أما في العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر فقد ازدهرت الجمعيات الأهلية الخيرية التي خصصت جانباً كبيراً من أوقافها لبناء المدارس، ولعل الجمعية الخيرية الإسلامية (1893م) تعد هي الأشهر في هذا الميدان، وحسبنا أن نؤكد كذلك على المشروع الوقفي الأكبر للأستاذ الإمام محمد عبده الذي وجهه لإنشاء جامعة حديثة في مصر، وقد اضطلع تلاميذه بتحقيق حلمه عن طريق الاكتتاب الأهلي وذلك عقب وفاته 1905م.
وحري بنا التنبيه على أن النهضة الأوروبية الحديثة قد انتحلت النهج الإسلامي في الوقف، وذلك في بناء جامعاتها ومؤسساتها البحثية، وما برحت المصانع الكبرى والشركات العملاقة تدعم البحث العلمي في شتى الجامعات الغربية لخدمتها وتطوير وتحديث منتجاتها، مؤكدة بذلك على نضج سياستها الاستثمارية الاقتصادية والاجتماعية معاً.
والسؤال المطروح الآن : هل يمكن إحياء سنة الوقف مرة أخرى لدفع حركة التعليم والبحث العلمى فى مصر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق