عندما تتحدث عن أدنى مستوى للبطالة في العالم، لابد أن تذكر سويسرا. وعندما تسأل لماذا؟ لابد أن تسمع حديثا طويلا عن مستوى التعليم ونوعيته، ونظام التدريب المهني، وبرامجإعادة تشغيل العاطلين المعمول به في هذا البلد الذي يبدأ بتدريب الشباب من الجنسين ابتداء من 14 عاما كحد أدنى، و 16 عاما كحد أقصى.
وصل معدل البطالة في الدول الـ 17 الأعضاء في منطقة اليورو 13.9 في المائة . وبالنسبة للدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوربي وصل معدل البطالة 12.8 في المائة ، وذلك فى فبراير 2013.
أما في سويسرا فلم تتجاوز معدلات البطالة على مدى العقدين الماضيين في أقصى حالات الأزمات الاقتصادية والمالية 3.4 في المائة، في حين أن المعدل العام للبطالة في سويسرا على مدى الـ 20 عاما الماضية هو بحدود 2.9 في المائة.
ويفسر لانجر مدير التدريب المهني في العاصمة الاتحادية بيرن ذلك فى ضوء نظام التعليم السائد بقوله بأنه في القسم الألماني من سويسرا يتلقى طالب الصف الأول الابتدائي، بعد انقضاء ربع الساعة الأولى من التعارف بين الطلبة والأستاذ في اليوم الأول من الدوام، مطرقة، ولوحة خشبية، ومسطرة، ومجموعة من المسامير، ويطلب منه أن يدق المسامير في اللوحة حسب قياسات معينة''.
إما في الحصة الثانية من اليوم نفسه يعطى الطالب لوحة خشبية أخرى وملفا، ويطلب منه أن يقوم بنزع المسامير اللولبية من اللوحة. وبعدها منشارا وهكذا لمدة أسبوعين متواصلين قبل أن يبدأ الطالب بتقوية تعلمه للقراءة والكتابة التي كان قد بدأها في الصف التمهيدي، بعد ذلك يواصل العمل اليدوي في حصة مستقلة''.
كما أن بعض المدارس في القسم الفرنسي من البلاد تعطي الطالب كومة من قطع ''لوجو'' ويطلب منه صنع تشكيلات معينة حسب نموذج أو من دونه. بعض المدارس في القسم الفرنسي يتبع الأسلوب الألماني في التدريس.
وبذلك يضمن المجتمع حبا بين الصغار للتعليم المهني، ينمو يوميا إلى سن الـ 16 ، فلا يجد الطالب صعوبة عند توجهه للتعليم المهني.بل أن نسبة ضئيلة جدا من الطلبة تواصل رحلة السنوات الست التي تعقب الدراسة المتوسطة (التعليم الثانوي)، ونسبة أقل منها تصل إلى الجامعة. 0.9 في المائة من الطلبة السويسريين يصلون إلى المرحلة الجامعية، و75 في المائة من هذه النسبة الضئيلة تنهي الدراسة الجامعية.إذ يبلغ عدد الملتحقين بالمدارس الفنية في سويسرا 210000 طالباوطالبة يشكلون 70% من خريجى المرحلة المتوسطة ، 45% منهم من الإناث .
ويؤكد لانجر: لا يوجد أي منحى من مناحي الحياة، ولا أي فرع من فروع العمل لا يغطيه معهد تقني للتدريب لا تقل الدراسة فيه عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن خمس. القانون يمنع تشغيل أي شخص لا يملك شهادة تخرج من معهد فني، فالنادل، أو الحلاق، أو عامل النظافة، أو بائع الخضر، شأنه شأن المصرفي، والطبيب، والمهندس. مطلوب منه أن يقدم شهادة تخرج من معهد تقني.
أما من يذهب للتعليم المهني؛ قال لانجر: ابتداء من الصف الثاني في المرحلة المتوسطة (14 عاما) يبدأ فرز الطلاب لنوع التعليم الذي سيواصلونه، العنصر الحاسم في ذلك هي درجات الطالب. تعليم الطالب يكلف أموالا طائلة يتحملها دافع الضرائب، عليه لا يمكن مواصلة تعليم الطالب الضعيف أو الفاشل.
المتدرب يدرس ثلاثة أيام ويعمل يومين مقابل أجور مجزية؛ وبذلك فإن صاحب العمل لا يدفع أي شيء للمتدرب، فهو يكسب يدا عاملة مجانية، معهد التدريب هو الذي يدفع أجور المتدرب، هنا نكون قد طبقت القاعدة الاقتصادية ''رابح ـ رابح''، فصاحب المؤسسة رابح لأنه كسب يدا عاملة مجانية، والمعهد الفني رابح لأن هناك غيره من قام بالتدريب، والطالب رابح بأجوره.
بل أنه في اليوم نفسه الذي يفقد فيه الشخص وظيفته، يتوجه العاطل الجديد إلى مكتب تشغيل العاطلين لتسجيل اسمه مع كل البيانات المتعلقة بمؤهلاته. يتم ربطه بخبير من المكتب يساعده على العثور على فرصة عمل جديدة.
وفي يوم التسجيل نفسه يحق للعاطل تقاضي معونة من المكتب تعادل 80 في المائة من آخر راتب تقاضاه، وهي نسبة تعادل عمليا مائة في المائة تقريبا من راتبه الأصلي حيث ينظر إلى نسبة الـ 20 في المائة المخصومة على أنها مصروفات كان العاطل سينفقها حتما خلال عمله (مصروفات التنقل، الطعام... وغيرها).