الخميس، 3 مايو 2018

كيف تحدث اللغة فرقا على مستوى الاقتصاد بالنسبة للدول.



هناك ورقة بحثية رائعة قدّمها الأمريكي كيث تشين Keith Chen عام 2013 في جامعة ييل الأمريكية
 وأثبت فيها كيف أن اللغة التي نتحدث بها تُحدث الفرق ليس على مستوى السلوك الشخصي فحسب، ولكن أيضاً على مستوى الاقتصاد بالنسبة للدول.
يُفرّق تشين في بداية بحثه بين نوعين من اللغات:
الأولى هي اللغات المستقبلية، أي اللغات التي يفرّق أصحابها في حديثهم عادة بين الحاضر والمستقبل، فيُقال: "سوف أزور والدتي غداً"، ومن هذه اللغات العربية والإنغليزية واليونانية والإيطالية والروسية.
أما النوع الثاني فهو اللغات غير المستقبلية، وهي التي يتكلم متحدثوها عن المستقبل عادة بصيغة الحاضر نفسها، ومنها الألمانية والفنلندية والصينية. فنقول مثلاً: "أزور والدتي غداً".
هذا الفرق الضئيل في طريقة تركيب الجملة بين لغة وأخرى يتسبب بتباينات ملحوظة في أساليب الحياة بين الأشخاص والعائلات. وحسب الدراسة، فإن نسبة ما يدّخره الأشخاص من الأموال التي يكسبونها سنوياً في البلاد التي تتحدث لغات لا مستقبلية كان أكبر بشكل ملحوظ بالمقارنة مع البلاد التي تتحدث لغات مستقبلية، وكان هذا مؤثراً في الاقتصاد الكلي للبلاد. وبيّن أن العائلات التي تتشابه في جميع الظروف تقريباً وتعيش في البلدان نفسها تميل إلى الادخار بنسبة 30% أكثر إذا كانت تتحدث لغة لا مستقبلية.
والسر في ذلك، كما يعتقد تشين، أنك إذا كنت تتحدث عن المستقبل طوال الوقت بصيغة الحاضر فسوف يجعلك ذلك واعياً بوجوده مثل الحاضر تماماً، وبالتالي فإنك سوف تفكر فيه أكثر من الشخص الذي يفرق لغوياً بين الحاضر والمستقبل. فلدى الأخير، تنعكس هذه التفرقة على تفكيره وسلوكه، ويصعب عليه أن يتمثل المستقبل في ذهنه كما يعي الحاضر، وبالتالي يجد صعوبة في أن يختار التنازل عن بعض رفاهيته الشخصية في الوقت الحاضر ليدخر وينفق في مستقبل ليس له حضور قوي في ذهنه أصلاً.
وبالالى فإن الدول الأكثر إبهاراً للعالم وقدرة على تحقيق معجزات اقتصادية في القرن الماضي هي دول تتكلم شعوبها لغات غير مستقبلية. ويبدو أنه بعكس اسمها، سوف يكون المستقبل أفضل بالنسبة لأهلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق